الإمارات تكرس نهج قمع أي تجمعات سلمية أو مظاهرات احتجاجية

الإمارات تكرس نهج قمع أي تجمعات سلمية أو مظاهرات احتجاجية
كرست سلطات دولة الإمارات نهجها القائم على قمع أي تجمعات سلمية أو مظاهرات احتجاجية بعد أن أحالت عمال بنغاليين احتجوا ضد حكومة بلادهم إلى محاكمة عاجلة.
فقد أمر النائب العام في الإمارات بإجراء تحقيق فوري مع مجموعة من المقيمين البنغاليين بعد تجمهرهم وإثارتهم للشغب في عدد من الشوارع خلال احتجاج ضد حكومة بلدهم.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات (وام)، أن فريقا من أعضاء النيابة العامة باشر التحقيق مع المتهمين المقبوض عليهم، وأسفرت التحقيقات التي جرت بإشراف مباشر من النائب العام عن أنهم ارتكبوا “جرائم التجمهر في مكان عام والتظاهر ضد حكومة بلدهم، بقصد الشغب ومنع وتعطيل تنفيذ القوانين واللوائح.”
كما اتهموا بـ “تعطيل مصالح الأفراد وإيذائهم وتعريضهم للخطر والحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وتعطيل حركة المرور والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإتلافها، وتعطيل وسائل المواصلات عمداً، والدعوة إلى تلك التظاهرات والتحريض عليها.”
ووفق القانون الاتحادي فإن تلك الأعمال تشكل جرائم تمس أمن الدولة وتخل بالنظام العام، ومن شأنها تعريض مصالح الدولة للخطر، ما دفع النيابة العامة إلى حبسهم احتياطيا على ذمة التحقيقات.
وأمر النائب العام بإحالة المتهمين لمحاكمة عاجلة، داعيا كل من يقيم على أراضي الدولة الالتزام بقوانينها، وعدم الانقياد إلى مثل تلك الدعوات والأفعال، باعتبارها تشكل جرائم جسيمة الأثر على المجتمع، وشديدة العقاب على مرتكبيها.
يأتي ذلك، في مسعى استمرار أبوظبي في سياسة قمع أي تجمعات سلمية أو مظاهرات شعبية احتجاجية، حيث تفرض واقعًا من القمع الشامل وتكميم الأفواه لكل ما يخالف توجهاتها وسياساتها، بما في ذلك الملفات الخارجية والداخلية، في ظل غياب سبل العدالة واحترام الحقوق.
وعلى مدار سنوات وثقت منظمات حقوقية حملات اعتقال واستدعاءات وترحيل مارستها سلطات أبوظبي وما تزال على خلفية ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، بما يشكل تكريسًا لتقييد الحريات الذي تشهده الدولة منذ سنوات ويتخذ منحنى مثيرًا للقلق في الأشهر الأخيرة.
وتؤكد تلك المنظمات أن أبوظبي لا سيما جهاز أمن الدولة، تمارس انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري، وتقيد حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، وتحتجز منتقدي الحكومة أو من يتطرقون لقضايا لا تؤيدها السلطات، في ظروف قاسية.
وسبق أن أبرزت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي عن دولة الإمارات خلال عام 2022 وضع سلطات أبوظبي موضع التنفيذ قوانين جديدة تقيد حرية التعبير والتجمع بشكل كبير.
وقالت المنظمة إن السلطات الإماراتية مددت الاحتجاز التعسفي للعشرات من ضحايا المحاكمات الجماعية بعد انتهاء مدد عقوبتهم، وعرّضت مدافع عن حقوق الإنسان ومعارض لإساءة المعاملة لفترة مطوّلة.
وأشارت المنظمة إلى تولى محمد بن زايد رئاسة الدولة في مايو/أيار، بعد أن تُوفي شقيقه الرئيس خليفة بن زايد، وانتخبه المجلس الأعلى للاتحاد، المُكوَّن من حكام الإمارات السبع، ليحل محله.
وبحسب المنظمة واصلت الحكومة الإماراتية سيطرتها على التعبير، وفي بعض الأحيان، فرضت الرقابة على المحتوى الذي يُعتبر غير أخلاقي على وسائل الإعلام أو في السينما. وظلَّ 26 سجينًا إماراتيًا، على الأقل، خلف قضبان السجون بسبب نقدهم السياسي السلمي.
وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت النيابة العامة أنها استدعت “عددًا” من الأشخاص الذين نشروا مقاطع فيديو على الإنترنت، نقلت مجرد أنباء حول الهجمات الصاروخية التي شنَّتها مليشيات الحوثيين في اليمن على الإمارات.
وحذرت النيابة من أن نقل أي أنباء عن مثل تلك الوقائع على منصات التواصل الاجتماعي يُخالف قوانين البلاد.
وفي يونيو/حزيران، منع مكتب تنظيم الإعلام فيلم “حارس الفضاء” (Lightyear)، وهو فيلم أمريكي الإنتاج، بسبب احتوائه على مشهد لقُبلة مثلية.
وفي يونيو/حزيران أيضًا، فصلت صحيفة الرؤية، التي تُصدرها شركة مملوكة لنائب رئيس الوزراء منصور بن زايد آل نهيان، جميع صحفييها ومحرريها تقريبًا. ورجع ذلك إلى نشر الصحيفة تقرير حول ردود أفعال الإماراتيين على ارتفاع أسعار الوقود.
وتوقف نشر النسخة المطبوعة من الصحيفة بعد ذلك، مع استمرار عمل الموظفين الأساسيين بموقعها الإلكتروني واقتصارهم على نشر أخبار عالم الأعمال.
وفي أغسطس/آب، طالب مكتب تنظيم الإعلام وهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية شركة نتفليكس بإزالة المحتوى الذي ينطوي على مشاهد مثلية من منصتها في الإمارات، وإلا تواجه المقاضاة.
وتضمّن قانون الجرائم والعقوبات الجديد، الذي دخل حيز النفاذ في 2 يناير/كانون الثاني، تخفيفًا لبعض العقوبات لكنه أبقى على أحكام فضفاضة الصياغة بصورة مُفرطة تجرَّم حرية التعبير والتجمع، وتضمّن بندًا جديدًا ينص على معاقبة نقل المعلومات الحكومية بدون ترخيص.
فتنص المادة 178 الجديدة على حظر النقل “بغير ترخيص” أي “معلومات” رسمية إلى أي “منظمة”، وبذلك، تُجرّم فعليًا معظم حالات نقل المعلومات الحكومية.
وخفَّضت المادة 184 العقوبة لـ “كل من سخر أو أهان أو أضرَّ بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة”، أو أيٍ من “قادتها المؤسسين”، من مدة تتراوح بين 10 أعوام و25 عامًا إلى مدة أقصاها خمسة أعوام.
كما خفَّضت المادة 210 عقوبة الاشتراك في تجمهر في مكان عام “من شأنه الإخلال بالأمن العام” من مدة تصل إلى 15 عامًا إلى مدة أقصاها ثلاثة أعوام.
وتفرض المادة 26 من قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الجديد، الذي دخل حيز النفاذ أيضًا في 2 يناير/كانون الثاني، عقوبة السجن لما يصل إلى ثلاثة أعوام لكل من استخدم الشبكة المعلوماتية للترويج أو الدعوة إلى مظاهرة بدون الحصول على ترخيص مُسبق من الحكومة.
الاحتجاز التعسفي
كانت الإمارات مسؤولة عن عشرات حالات الاحتجاز التعسفي الجديدة والمستمرة. ورفضت السلطات الإفراج عما لا يقل عن 41 سجينًا أكملوا الأحكام الصادرة بحقهم في أثناء العام، ليصبح العدد الإجمالي، الذي يتضمّن الأشخاص المُحتَجَزين منذ الأعوام السابقة، 48 شخصًا.
وكان جميع السجناء الـ41، جزءًا من محاكمة “الإمارات-94” الجماعية بين 2012 و2013. ووصفت الحكومة حالات الاحتجاز كتلك بـ “المناصحة” المتواصلة لكل من “كان مُتبنيًا للفكر المتطرف”، وهو إجراء تجيزه المادة 40 من قانون مكافحة الجرائم الإرهابية لعام 2014.
ويقتضي القانون حصول النيابة العامة على أمر من المحكمة لمثل حالات الاحتجاز هذه، لكنه لا يمنح المُحتَجَز الحق في الطعن ضد استمرار احتجازه.
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة
في يوليو/تموز، أعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، في استعراضها الأول لملف الإمارات العربية المتحدة، عن “قلقها إزاء ما تضمنته التقارير الواردة من تفاصيل عن نمط التعذيب وإساءة المعاملة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة”.
واحتجزت السلطات المدافع عن حقوق الإنسان أحمد منصور في الحبس الانفرادي طوال العام وحرمته من الحصول على نظارات، وكتب، وسرير، وفِرَاش ووسائد، وأدوات النظافة الشخصية.
ويرقى الحبس الانفرادي المُطوَّل بهذه الصورة، لا سيما مع اقترانه بالمعاملة المُهينة واللاإنسانية، إلى مستوى التعذيب.
وفي إحدى الحالات، حرمت السلطات محمد الصديق، المسجون منذ 2012 لممارسة حقه في حرية التعبير، من إجراء أي مكالمات هاتفية مع أفراد أسرته التي تعيش في الخارج.
المصدر: إمارات ليكس