أغلبية صامتة في الإمارات ترفض التطبيع لكنها تخشى القمع
أغلبية صامتة في الإمارات ترفض التطبيع لكنها تخشى القمع
قال معهد الشرق الأوسط إن أغلبية صامتة في الإمارات ترفض اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل لكنها تخشى القمع الحكومي الممنهج الحاصل في الدولة.
وذكر المعهد في مقال له أن رد فعل الشعب الإماراتي – الخاضع لنظام شديد البوليسية – تجاه اتفاقيات التطبيع كان الصمت، في حين راحت الشخصيات المحسوبة على نظام أبو ظبي تمدح الخطوة على وسائل التواصل الاجتماعي، مهددين كل من قد يعارض الاتفاقية، وهو ما حدث مع كاتب إماراتي؛ إذ منع من السفر بعد أيام من انتقاده الاتفاق.
وجاء رفض اتفاقية التطبيع من المعارَضة الإماراتية في المنفى، التي طردت من البلاد على خلفية مطالبتها بالإصلاح بعد اندلاع الربيع العربي، بحسب المعهد.
لكن أبو ظبي قمعت الحركة – التي ينتمي العديد من أفرادها إلى جمعية الإصلاح الإسلامية المحظورة إماراتيًّا بوصفها حركة إرهابية.
ولا يزال الكثيرون ينشطون في الدفاع عن أحبائهم الذين ما زالوا في سجون الإمارات، وللتعبئة في المنفى للضغط على الحكومة الإماراتية، وعلى الرغم من أن ظروف طردهم كانت مرتبطة بالسياسة الداخلية أكثر من المخاوف الإقليمية، فإن قضية فلسطين (والتطبيع مع إسرائيل) أصبحت اليوم نقطة محورية للعمل ضد النظام الإماراتي.
يرى هؤلاء الناشطون في صفقة التطبيع صفعةً لمستقبل بلادهم، وتنقل الكرد عن أحد الناشطين الذين تحدثت معهم وصفه هذه الخطوة بأنها تسلل إلى الدولة من قِبل عملاءٍ إسرائيليين وغطاءٍ محتمل للقمع في المستقبل.
ويصعب الحصول على بيانات من استطلاعات تقيس الرأي العام في الإمارات حول مثل هذه القضايا الحساسة، لكن الناشطين يجادلون بأن المشاعر المؤيدة لفلسطين قوية بين الإماراتيين، ولا سيما الأجيال الأكبر سنًّا الذين جرى دمجهم اجتماعيًّا في أنظمة مدرسية ركزت على الهوية الإسلامية والعربية.
وينقل المعهد عن أحد الناشطين الإماراتيين قوله إنه كلما بدأ بث مباشر على تطبيق “سناب شات”، سرعان ما يجذب آلاف المشاهدين.
وعلى الرغم من اعتراف الناشطين بأن الإماراتيين الشباب يواجهون تيارًا مختلف التوجه، ومن ثم هم أكثر عرضة لتبني الخط الحكومي، فإنهم يعتقدون أن أولئك الذين يعارضون الصفقة هم أغلبية صامتة.
علاوة على ذلك، فإن العلاقات المتنامية بين الممولين الإماراتيين وشركات التكنولوجيا الإسرائيلية تشكل مصدر قلق كبير لهم، حيث تسهل هذه الروابط زيادة القمع العابر للحدود.
وأعرب المعهد عن مخاوف من تنسيق إسرائيل والإمارات وحلفائهما في المنطقة تنسيقًا أكثر فعالية لقمع المعارضين لسياسات أي من البلدين (أو كليهما)، ومن ذلك استهداف أولئك الذين يدعون إلى مزيد من المساءلة.
تلعب قضية فلسطين دورًا في إعادة التعبئة في هذه الحالة، حيث تتشابك معارضة صفقة التطبيع – والدعوات إلى قرارات سياسية خارجية تمثيلية – مع القضية الأساسية للحكم الاستبدادي.
فإذا كان المجتمع مؤيدًا للفلسطينيين في الغالب، كما افترض الناشطون، فإن اتباع سياسة خارجية تتعارض مع المشاعر العامة يتطلب درجة من القمع، كما أنه ليس هناك استطلاع منهجي سليم من الإمارات.
لكن استطلاعات الرأي من المنطقة – ومن منطقة الخليج على وجه الخصوص – أظهرت أن هذا الافتراض صحيح؛ فقد عارض 80% من المستطلعين من الخليج الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل في الاستطلاع الأخير الذي أجراه المعهد حول هذه المسألة، ويؤكد النشطاء الإماراتيون أن مواطنيهم ليسوا استثناءً.
كما يؤكد النشطاء أن المواقف المؤيدة لفلسطين باتت تعد عملًا تخريبيًّا، مما يضع المزيد من الناس ضمن المعارضين لسياسة الدولة وخارج الخطوط الحمراء الجديدة للخطاب المقبول للنظام.
وتظهر العواقب المباشرة أن هذا الخوف لم يكن بلا أساس؛ على سبيل المثال، بعد الإعلان عن اتفاقات أبراهام، تم تشجيع الإماراتيين على الإبلاغ عن أي شخص يعارض الصفقة علنًا.
كما شعر النشطاء في جميع أنحاء المنطقة بالقلق من أن الإمارات ستتعاون بشكلٍ علنيٍّ مع إسرائيل، المعروفة بتقنياتها الاستبدادية وصناعة الحرب الإلكترونية، لا سيما في ضوء التنسيق الوثيق بين الحكومة الإسرائيلية والشركات الإسرائيلية الخاصة.
وأكد المعهد أن صفقة التطبيع أشعلت موجة من النشاط، سواءً داخل مجتمع المنفى الإماراتي أو في أوساط النشطاء الخليجيين الأوسع (التي شارك فيها نشطاء إماراتيون).
على سبيل المثال، كانت الراحلة ألاء الصديق معروفةً في المنطقة بدفاعها عن والدها المسجون، واكتسبت المزيد من التقدير بين الجماهير الأوسع بعد أن أصبحت ناشطة في التحالف الخليجي ضد التطبيع وظهرت في عدد من الفعاليات ذات الصلة.
كما عملت أيضًا خلف الكواليس لإيصال الأصوات الفلسطينية وتسهيل الاجتماعات مع مسؤولي الأمم المتحدة، فضلًا عن توفير الأبحاث الأرشيفية للمنظمات في فلسطين.
الإمارات وإسرائيل يعملون لقمع معارضي التطبيع
كشفت الصديق قبل وفاتها مواجهة المنفيين ضغوطًا متجددة، وبالفعل بعد وفاتها كُشف أنها كانت هدفًا للمراقبة الإسرائيلية الإماراتية، ومع ذلك، ظلت ملتزمةً بزيادة الوعي بين الإماراتيين، وتقديم خطاب بديل، قائلة “نحن الناشطون الإماراتيون ليس لدينا ما نخسره”.
يؤسس النشطاء أيضًا منظمات خاصة بالإمارات، على سبيل المثال، حمد الشامسي – أحد النشطاء الذين فروا من البلاد بعد “قضية الإمارات 94” – هو أحد أعضاء اللجنة الإماراتية لمناهضة التطبيع التي تم إحياؤها حديثًا.
وأنهت هذه اللجنة عملها في 2013 بعد الاعتقالات والقمع، لكنها استؤنفت الآن من قِبل مجموعة جديدة من الأعضاء أهدافهم مشابهة لما وصفته الصديق في عملها وهو تغيير الخطاب، ومواجهة محاولات النظام العدوانية لكسب الدعم المجتمعي لسياسات التطبيع؛ يقول الشامسي: “يجب أن نعطي للناس انطباعًا مختلفًا، ليدركوا أن هناك رأيًا مختلفًا”.
بالنظر إلى أن الإمارات عملت باستمرار على إغلاق جميع مساحات المشاركة العامة، ومنافذ حرية التعبير (مثل النقابات والمجموعات الطلابية واللجان المستقلة)، يرى الشامسي أن اللجنة الإماراتية لمناهضة التطبيع هي حصن ضروري ضد الروايات التي يهيمن عليها النظام.
يدرك الناشطون الإماراتيون أنهم مجموعة صغيرة جدًا، في مواجهة آلية الدولة التي – على حد تعبير الشامسي – عملت لفترةٍ طويلةٍ لتمهيد الطريق أمام هذه التحولات السياسية؛ لكنهم يرون في صفقة التطبيع مع إسرائيل نقطة تحول.
فمن وجهة نظرهم، تجاوزت الدولة خطًّا أحمر وسرعت الطريق للسيطرة الكاملة على المجتمع، وترى الكاتبة أن قضية فلسطين ليست مهمة فقط بسبب آثارها الأخلاقية والدينية، كما أوضحت الصديق، ولكن أيضًا لأنها قضية وجودية ستحدد مستقبل الشعب الإماراتي.
نظرًا للزيادة في الروابط الاستبدادية – حتى بين البلدان الديمقراطية والحلفاء المستبدين – بالإضافة إلى زيادة التقنيات القمعية، يتضح للناشطين أن قضايا السياسة الخارجية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسار السياسة المحلية؛ وبذلك ستبقى القضية الفلسطينية قوةَ حشدٍ للمجتمعات العربية وهدفًا للأنظمة في المنطقة.
المصدر: Emirates Leaks