خفايا شراكة الإمارات وفرنسا لكسب النفوذ والتوسع الخارجي
خفايا شراكة الإمارات وفرنسا لكسب النفوذ والتوسع الخارجي
تجمع الإمارات وفرنسا شراكة مشبوهة متعددة المستويات تشمل أبعاداً سياسية وأمنية واقتصادية لكسب النفوذ والتوسع الخارجي.
وقال معهد بروكنجز الأمريكي للأبحاث، إن أبوظبي وباريس تجاوزتا إلى حد كبير الآليات متعددة الأطراف واختارت تعميق علاقاتها على المستوى الثنائي.
ونتيجة لعوامل هيكلية وطارئة، سادت العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مع الدول الفردية على كلا الجانبين التي تتنافس مع بعضها البعض في تحقيق أهدافها.
كما وجه الإخفاق في إنشاء اتفاقية التجارة الحرة بين منطقة وأخرى في عام 2008 ضربة قاسية للإطار متعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، كما حدث في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011 وما تلاه من صراع وتشرذم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عدو عدوي هو صديقي
ويقول معهد بروكنجز الأمريكي إنه “ليس من المستغرب أن تحركات الإمارات وفرنسا لتعميق العلاقات بينهما تأتي لأنهما متفقتان في العديد من القضايا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
في ليبيا، دعم كلاهما قوات “خليفة حفتر” ضد الحكومة (المعترف بها دولياً) في طرابلس. فجنبا إلى جنب مع غيرها من القوى الخارجية، ساهمت الإمارات وفرنسا في استمرار الحرب الأهلية في ليبيا”.
كما أن لدى الدولتين علاقات صعبة مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان. إذ دعمت الدولتان اليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك المشاركة في المناورات البحرية المشتركة العام الماضي.
ويتابع المركز الأمريكي: وبينما تحركت تركيا والإمارات مؤخرًا لتسوية بعض خلافاتهما ضمن الانفراج الإقليمي المتزايد، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا خفضًا دائمًا للتصعيد أو حسابًا استراتيجيًا قصير المدى.
ويشير إلى أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشتركان في عدم الثقة بالأحزاب السياسية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.
كانت دولة الإمارات نشطة للغاية في السنوات الأخيرة في مجال رعاية مبادرات الحوار بين الأديان لغرس صورة بلد مسلم معتدل ومرحب”. في إشارة إلى ترويج أبوظبي لنسختها من الإسلام بتقديمه حكراً على المنهجية “الصوفية” أو ما يعرفون بدراويش “مركز طابة”.
ويقول المعهد “بشكل عام، أظهر القادة الإماراتيون والفرنسيون ميلًا للتركيز على الاستقرار واستمرار الوضع السابق في أعقاب الربيع العربي”.
ويضيف أن السنوات القليلة الماضية كانت من أكثر الأوقات ازدحاماً للدبلوماسية الإماراتية.
ويشير إلى أنه وفي عهد الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي حكم من 1971-2004، كانت السياسة الخارجية لدولة الإمارات ترتكز على نهج حذر وتنظر الدولة الفتية إلى نفسها في سياقها الخليجي والعالم العربي والإسلامي.
على مدى السنوات الماضية في عهد محمد بن زايد وخاصة بعد الربيع العربي، تغيّر هذا الأمر وأصبح البلد أكثر حزماً وطموحًا في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.
بالإضافة إلى توسيع علاقاتها مع فرنسا، تعمل الإمارات أيضًا على تعميق ارتباطها مع الصين من خلال توقيع شراكة استراتيجية شاملة مع بكين.
بحسب أحد المحللين، فإن “الاستراتيجية التجارية الكبرى للإمارات للتحكم في الوصول إلى نقاط التفتيش البحرية الرئيسية في المحيط الهندي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر، جعلت أبو ظبي شريكًا مهمًا لبكين”.
وتابع بروكنجز: لقد أبرزت استجابة الولايات المتحدة للربيع العربي والتطورات اللاحقة في المنطقة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي والإماراتيين على وجه الخصوص أن الالتزام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (وأنظمتهم) ليس صارمًا كما كانوا يعتقدون.
وما عزز هذا الاعتقاد: الانسحاب الفوضوي الأخير من أفغانستان، والإشارات المستمرة من إدارة بايدن بأنها تريد الحد من تعرضها لعدم الاستقرار في المنطقة. بينما تدعم الولايات المتحدة حاليًا أمن الخليج، يحتاج قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تخيل بيئة أمنية إقليمية لا يمكن التنبؤ بها والاستعداد لها بشكل متزايد، والاعتماد على أنفسهم أكثر.
ينتقل المعهد إلى الحديث عن الرؤية من ناحية فرنسا إذ أنه على الرغم من النكسات التي تضمنت دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية بعد التعليقات التحريضية التي أدلى بها “ماكرون” ضد الإسلام، كانت فرنسا بلا شك الدولة الأوروبية الأكثر نشاطًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدى السنوات القليلة الماضية.
وكانت الإمارات محور النشاط الفرنسي في كل من القضايا الأمنية والأعمال. في الواقع، يمثل هذان الأمران وجهان لعملة واحدة بالنسبة للفرنسيين.
وأشار التقرير إلى ازدهار التجارة الثنائية بين باريس وأبو ظبي في السنوات القليلة الماضية. ويشمل هذا ما يقرب من 4 مليارات دولار سنويا من البضائع الفرنسية المصدرة إلى الإمارات، وكذلك صفقات أسلحة مربحة بقيمة 8.3 مليار يورو في عام 2020. وعلى العكس من ذلك، تهيمن الهيدروكربونات على الواردات إلى فرنسا (المقدرة بنحو 1.1 مليار يورو).
ولفت إلى أن هناك أكثر من 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات وقد زاد عددها بنحو 10٪ سنويًا في السنوات الأخيرة.
ومن بين أكثر قطاعات التعاون نشاطا، يبرز الدفاع (النشاط العسكري)، بفضل وجود قواعد عسكرية فرنسية دائمة في أبو ظبي، تستضيف الإمارات أكثر من 700 جندي، منذ عام 2009 وفق اتفاق دفاع مشترك.
وقال: إن العلاقات الثنائية الفرنسية الإماراتية لا تقتصر على العلاقة العسكرية الصناعية. في عصر “الرؤى” الخليجية والخطط الطموحة لتعزيز التنمية المستدامة، تكتسب الاستثمارات في الطاقة المتجددة – فضلاً عن تقاسم المعرفة النووية – زخمًا.
ويتابع: وبالمثل، فإن التعاون الثقافي والأكاديمي هو المجال الأكثر تطورًا وهو المجال الذي تراهن عليه الحكومة الفرنسية والحكام الإماراتيون على حد سواء بهدف تكوين صورة إيجابية متبادلة وجذب المزيد من الاستثمارات.
من تأسيس جامعة باريس السوربون أبوظبي في عام 2006 وهي جزء من رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030 إلى المشهورة عالمياً حيث تم افتتاح متحف اللوفر أبوظبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وتعتبر الثقافة واللغة الفرنسية ركيزة للتعاون يمكن أن تسهم في “بناء عالم أكثر انفتاحًا وتوحيدًا وتسامحًا وسلامًا “.
في هذا السياق، ليس من قبيل المصادفة أن تحتل فرنسا في معرض إكسبو 2020 دبي الذي افتتح مؤخرًا مساحة مكان مركزي ماديًا ورمزيًا.
ووجهت انتقادات لفرنسا بشأن افتتاح مراكز ثقافية في أبوظبي رغم السجل السيء لحقوق الإنسان في الإمارات، حيث تعتقل السلطات عشرات الإماراتيين وتجرم حرية الرأي والتعبير.
ويشير المعهد إلى أن “الهيدروكربونات والتعاون الدفاعي والثقافة ليست بالضرورة أهدافًا نهائية بحد ذاتها بالنسبة لفرنسا مقابل الإمارات والخليج والشرق الأوسط الكبير، لكنها وسيلة لتحقيق قدر أكبر من الأمن والنفوذ من الناحية الدبلوماسية، على الصعيدين المحلي والخارجي، من خلال استغلال القيمة المضافة لفرنسا وقدرتها على جذب الاستثمارات في مجال الأعمال والدفاع”.
ويلفت تقرير معهد بروكنجز إلى أنه من بيروت إلى بغداد (بما في ذلك الانتكاسات الأخيرة مع الجزائر)، ركز ماكرون على تعزيز دور فرنسا في المنطقة لحماية العلاقات البشرية القائمة بين سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفرنسا بسبب وجود جاليات كبيرة من تلك المناطق في بلاده، والتي تُترجم إلى علاقات أمنية وتجارية وشعبية متطورة للغاية.
الثنائية هي التي تحكم اليوم
ويشير المعهد إلى أن “حصار قطر، وتوتر العلاقات مع سلطنة عمان، وتصاعد الخلافات مع السعودية التي تعتبر الحليف المقرب تسلط الضوء على أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر مؤسسة أقل أهمية بالنسبة للإمارات، حيث تسعى أبو ظبي إلى لعب دور مستقل أكبر ما يضعها -غالبًا- على خلاف مع جيرانها.
ولفت إلى أن الشيء نفسه يمكن قوله عن فرنسا، التي يُنظر إليها غالبًا بكونها تحاول إبراز دورها المستقل في السياسة الخارجية في الخليج والشرق الأوسط الأوسع خارج حدود المشاركة متعددة الأطراف للاتحاد الأوروبي في المنطقة.
ما يزيد هذا النهج الفرنسي ما حدث في الآونة الأخيرة بصدمة باريس من بعض أقرب حلفائها بسبب اتفاقية أمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لذلك ليس من المستغرب أن يواصل صانعو السياسة الفرنسيون تعميق مشاركتهم مع شركاء آخرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم.
ويقول “كما جادلنا فعندما يتعلق الأمر بالخليج، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعمل منفردة بلا هوادة مع مختلف الأطراف لحماية مصالحهم وأعمالهم التجارية. وقد ساهم ذلك، من بين عوامل أخرى، في إضعاف نهج السياسات الأوروبية-الخليجية المشتركة”.
ويستدرك معهد بروكنجز بالقول: على الرغم من ذلك، لا يزال المجال متاحًا للعمل على مستوى متعدد الأطراف والاستفادة من الفرص وآليات التعاون الحالية لإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويشير إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إلى قطر، والإمارات، والسعودية من 30 سبتمبر/أيلول إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول (2021) – أول زيارة له رسمية لمنطقة الخليج- يمكن أن تمثل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وفيما التوقعات عالية لكن إلى أن يتم الوفاء بها، فإن الثنائية هي التي تحكم اليوم.
المصدر: Emirates Leaks