تقارير

الإمارات ترغب بإعادة علاقاتها مع تركيا ولكن بشروط …. هل وضعها الحالي يسمح لها بفرض الشروط؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

اصبح واضحًا للعيان توجهات تركيا الجديدة التي تحاول تصفية الأجواء بينها وبين عدد من الدول التي ساءت علاقتها بها مؤخرًا، فهي تسعى اليوم لتلطيف الأجواء مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الذي اتخذ مؤخرًا عقوبات اقتصادية محدودة ضدها، بالإضافة إلى الرد بإيجابية لتحركات بعض الدول الخليجية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات لتحسين العلاقة معها، وهذه الأجواء الإيجابية ربما تكون نتيجة مباشرة لأجواء المصالحة الخليجية التي اقدت عليها المملكة السعودية في خطوتها الجريئة لمصالحة قطر، والتي كانت أحد أهم أسباب التوتر بين بين تركيا وهذين البلدين العربيين.

وإذا ما شأنا مناقشة التغيير المفاجئ لموقف دولة الإمارات من تركيا، وأبداء رغبتها بتحسين العلاقة معها، رغم المشاكل العالقة بين البلدين، وساحات الصراع التي يتنافسان فيها، كالساحة الليبية والسورية، وحتى في الساحة الصومالية التي لا تدخر الإمارات جهدًا في سبيل تعكير صفو العلاقة التي تجمع بين الصومال وتركيا، فهو أمر جدير بالملاحظة لمعرفة أسبابه.

ويبدو إن أحد أهم الاسرار التي أثرت في تغيير السياسات الخارجية الإماراتية والسعودية أيضًا تجاه تركيا، هو مجيء إدارة جو بايدن الجديدة إلى البيت الأبيض، مما جعل تلك الدولتين، مضطرتين لتغير خارطة تحالفاتهما. فالدعم اللامحدود الذي كانت يتلقاه المحور الإماراتي السعودي في المنطقة من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، قد انتهى مع رحيله، وكل المؤشرات تُفيد بأن الرئيس الأمريكي الجديد، سوف لن يتسامح مرة أخرى مع سياسات هذا المحور، أو على الأقل لن يذهب بعيدًا في دعمه له كما كان يفعل ترامب، مما سيشكل خطرًا كبيرًا على تلك الدول حسب تقيمها. أما الذي يجعل تركيا تتعامل بإيجابية مع هذه توجهات الإمارات والسعودية الجديدة، هو إنها هي الاخرى لا تروق كثيرًا لجو بايدن الذي لم يخفي امتعاضه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذكر بأكثر من مناسبة، بأنه سوف لن يتسامح مع تركيا في ملفات كثيرة، لذا فأن هذا الشعور بالخطر من قبل كل هذه الأطراف، دفعها للتقارب وطي خلافات الماضي، والتحضير لما ستكون عليه سياسة خلف ترامب الجديدة.

https://twitter.com/BoutayebBlal/status/1324369510128881665?s=20

إن أبرز خلافات الإمارات مع تركيا، كانت تتعلق بموقفهما من ثورات الربيع العربي، ووصول “الإخوان المسلمين” إلى سدة الحكم في مصر وتونس، الأمر الذي خشيت أبوظبي منه، وتوقعت أن المد الثوري سوف يصل إليها لامحالة، فقامت بالوقوف ضد هذه الثورات وعملت على تقويضها ودعمت الثورة المضادة ومولت الانقلابات على التجارب الديمقراطية الوليدة، بينما عمِلت أنقرة على العكس من ذلك، ودعمت وساندت ثورات الربيع العربي في مجملها.

مشكلة أخرى أزَّمت العلاقة الإماراتية التركية، هو الحصار الذي فرضته الإمارات بالإضافة للسعودية ومصر والبحرين على قطر، في الوقت الذي قامت تركيا باتخاذِ موقفٍ داعمٍ لقطر، وعززت وجودها العسكري فيها. وفي ليبيا، اتخذ الصراع التركي الإماراتي وجهًا أكثر وضوحًا من التحدي، حينما دعمت تركيا حكومة الوفاق عسكريًا ضد الانقلاب الذي يقوده خليفة حفتر المدعوم إماراتيًا، واستطاعت تركيا أن تقلب الموازين العسكرية في ليبيا لصالح حكومة الوفاق بشكل حازم. وفي سوريا، دعمت تركيا الثورة السورية وساندت فصائل المقاومة هناك، واستقبلت على أراضيها ملايين اللاجئين السوريين. بينما احتفظت الإمارات بعلاقة طيبة مع النظام السوري ولم تجاهر بعدائها له، رغم أن جميع الدول الخليجية قاطعت هذا النظام.

الإمارات تحاول تحسين علاقتها مع تركيا ولكن بشروط

لم يمضي وقتًا طويلًا على اعلان المصالحة القطرية السعودية، حتى صرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن الإمارات “أكبر شريك تجاري لتركيا في المنطقة العربية”، مبديًا رغبة بلادهِ في عودة العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها، وأضاف، أن “الإمارات ليس لديها أي سبب لكي تختلف مع تركيا”. ويأتي هذا التغيير الإماراتي من توجهاته إزاء تركيا، بعد ملامح تقارب سعودي تركي محتمل، ظهر واضحًا على تصريحات مسؤولي البلدين.

لكن الإمارات وعلى لسان وزير خارجيتها، وضع أشبه ما يمكن وصفه بشروط لإعادة العلاقات بين البلدين، حينما قال: “نريد لأنقرة أن لا تكون الداعم الأساس للإخوان المسلمين، نريد لأنقرة أن تعيد البوصلة في علاقاتها العربية”. ورغم إن رد الفعل التركي إزاء الخطوة الإماراتية كان إيجابيًا، لكن تركيا كانت حذرة بنفس الوقت. فقد صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن بلاده مستعده لتحسين علاقاتها مع كل من مصر والإمارات، في حال رغبت الدولتان بذلك. لكننا نريد أيضًا رؤية مبادرات ملموسة، وإذا كانوا صادقين في قولهم، ويريدون حقا عودة العلاقات، فسنقوم نحن أيضا بتصحيح علاقاتنا معهم”.

وينبع الحذر التركي من الإمارات، من إن إعلامها ما زال مستمرًا في هجومه ضد تركيا، ولم تلمس تركيا أي تغيير في خطاب الإمارات الإعلامي اتجاهها، ولو كانت الإمارات جادة في تحسين علاقتها مع تركيا، لوجدنا صدى ذلك على وسائلها الإعلامية. وبالتالي فأن تركيا تحتاج لخطوات ملموسة من الجانب الإماراتي، حتى تقتنع بصدق توجهاتهم.

أما فيما يخص الشروط الإماراتية لتحسين علاقتها مع تركيا، فقد جاء الرد التركي بشكل غير رسمي على لسان مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، ياسين أقطاي، الذي وصف تصريحات قرقاش، التي طالب فيها أنقرة بوقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، بـ”السخيفة”. مشيراً إلى دعم الإمارات لمحاولات الانقلاب وتمويل الأنشطة الإرهابية في تركيا، وتنظيم الانقلابات والعمليات المضادة في البلدان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا، وأضاف، “لا يحق للإمارات أن تتجرأ لطلب شيء من تركيا، في الوقت الذي يجب فيه محاسبتها على جرائمها الممنهجة التي ارتكبتها في اليمن ومصر وليبيا وسوريا والصومال بالإضافة لتركيا”. وأكد أقطاي فيما يخص الإخوان المسلمين، أن “تركيا رغم أنها لا تمتلك نهجًا بدعم هذه الجماعة، لكن حتى لو كان ذلك صحيحًا، فهو موقف نابع من حقها السيادي لا يمكن للإمارات أن تتدخل به”. ومن هذه التصريحات، يبدو لنا جليًا، كم هو حجم الريبة التي لدى الاتراك من محاولات الإمارات إعادة العلاقات معهم.

الإمارات تخشى العزلة

ويبقى ملف الإخوان المسلمين، واحدًا من الملفات الخلافية بين البلدين، ولا توجد مؤشرات حتى الأن، تُنبأ عن الكيفية التي سيتم التعامل مع ملف أعضاء هذه الجماعة المتواجدين في تركيا، وهل هناك إمكانية لمنع الدعم التركي المفترض لهذه الجماعة كما تدعي الإمارات. بنفس الوقت، تخشى الإمارات أن تبقى معزولة في محيطها العربي، لا سيما بعد المصالحة القطرية السعودية، ووصول إدارة بايدن الجديدة للبيت الأبيض، والتي يتوقع منها أن تكون أقل صداقة وتسامحا تجاه المحور الإماراتي السعودي، الذي كان مدعوما بشدة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وبالتالي فأن رغبة الإمارات في إنهاء خلافاتها مع تركيا، تأتي من هذا الإطار، ومن غير المتوقع أن تُصر على وقف الدعم التركي لجماعة الإخوان وطرد عناصرها من الأراضي التركية كشرط لتحسين العلاقات معها، لأنها قطعًا ليست بالموقف الذي يؤهلها لفرض الشروط على تركيا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى