تقارير

حقوق الإنسان في السعودية 2024: مملكة بوجهين للتغطية على القمع

حقوق الإنسان في السعودية 2024: مملكة بوجهين للتغطية على القمع

“مملكة بوجهين” هو عنوان أحدث تقرير حقوقي عن واقع حقوق الإنسان في السعودية عام 2024 في ظل الحملات الحكومية المستميتة للتغطية على القمع والاستبداد الذي يفرضه نظام آل سعود.

فعلى وقع الأرقام القياسية للإعدامات، الأحكام القضائية المطولة، واستمرار الاعتقالات التعسفية في 2024، أعلنت المملكة العربية السعودية نفسها لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، متبنية شعار “معاً ننمو” إثر حصولها على حق استضافة كأس العالم 2034.

وإعلان الحصول على حق الاستضافة أثار تساؤلات جوهرية حول المعايير الأخلاقية التي تحكم اختيار الدول المستضيفة لهذه الفعاليات، ومدى تأثير الجهات الدولية الفاعلة في تسهيل محاولات السعودية لتجميل صورتها على الساحة العالمية.

واختيار السعودية لاستضافة هذه الأحداث الرياضية الضخمة يأتي في سياق سعيها الحثيث والمستمر منذ سنوات لإخفاء الحقائق حول سجلها الحقوقي المقلق، والذي يتضمن أحد أعلى معدلات تنفيذ عقوبة الإعدام في العالم، وقمعاً ممنهجاً لحرية التعبير، وطمساً للمجتمع المدني.

وفي الوقت نفسه، تستخدم السعودية المنابر الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لتسويق صورة مزعومة عن التزامها بحقوق الإنسان، في محاولة لاستغلال هذه المنابر في التغطية على الانتهاكات المستمرة.

من خلال تقريرها السنوي لعام 2024، سعت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى تسليط الضوء على بعض الانتهاكات والجهود السعودية المتواصلة للتعمية حول واقع حقوق الإنسان في البلاد.

كما سعت المنظمة في التقرير إلى كشف محاولات الحكومة السعودية لاستخدام أدوات “غسيل الصورة” عبر الدبلوماسية والرياضة والمنابر الدولية، وتعمل على رصد تزايد الضحايا جراء هذه السياسات التي قد تشهد تصعيداً في المستقبل.

الرياضة والغسيل:

توج عام 2024 مسار السعودية في محاولات غسيل صورتها الدموية أمام العالم، وفي ديسمبر 2024 ، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن فوزها باستضافة كأس العالم 2034 رسميا.

إعلان الفيفا طرح أسئلة حول التناقض الصارخ بين المعايير التي من المفترض أنها تتقيد بها في عملية اختيار الدول وبين واقع اختيار دولة من بين أكثر الدول تنفيذا لعقوبة القتل وانتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية.

وفيما من المفترض أن يتم مراقبة التزامات الدولة المستضيفة لكأس العالم خلال وبعد الحدث، فإن ذلك لا يمكن أن يحدث في ظل عدم وجود سبل المراقبة والمساءلة في الداخل.

إضافة إلى ذلك، فإن عام 2024، بين وجها مظلما في تعاطي الحكومة السعودية مع الرياضيين في الداخل. ففي فبراير 2024، حلت وزارة الرياضة مجلس إدارة نادي الصفا في مدينة صفوى في القطيف، على خلفية أهازيج رددتها الجماهير خلال مباراة في 24 يناير 2024.

معلومات وصلت إلى المنظمة الأوروبية السعودية أشارت إلى اعتقال 10 أشخاص من رابطة المشجعين وإحالتهم إلى سجن القطيف العام، واستدعاء والتحقيق مع أكثر من 150 شخص.

لاحقا بدأت محاكمة عدد من المعتقلين وطالبت النيابة العامة بالسجن وعقوبات أخرى استنادا إلى نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، إضافة إلى عقوبة تعزيرية.

وكانت السعودية قد استضافت في 2024 عددا من الأحداث الرياضية، بينها كأس السوبر الإيطالي وكأس السوبر الإسباني، والبطولة الدولية للجودو، بطولة الفورمولا E، فيما من المتوقع أن تستضيف المزيد من الأحداث.

يأتي ذلك في ظل انتهاكات تطال بشكل واسع الرياضيين والجماهير الرياضية منذ سنوات. وكانت المنظمة قد رصدت عشرات الرياضيين الذين تم اعتقالهم وقتلهم خلال السنوات الماضية.

وقد تم تعذيب وقتل عشرات الرياضيين بسبب مشاركتهم في احتجاجات أو بسبب نشاطاتهم، وفي ظل استمرار السعودية في نفس النهج القمعي، فإن القبول باستضافتها كأس العالم للرجال وهو من الأحداث الرياضية الكبرى، هو تواطئ وتجاهل لكل للانتهاكات ومساهمة في محاولات غسيل الصورة.

استغلال منابر الأمم المتحدة:

في أكتوبر 2024، فشلت السعودية في الحصول على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد خسارتها في تصويت الدول الأعضاء. وكانت مجموعة آسيا والمحيط الهادي، المجموعة الوحيدة التي شهدت منافسة، إذ تنافس ستة مرشحين على خمس مقاعد وخسرت السعودية.

وكانت هذه الخسارة ضربة لجهود السعودية الرامية إلى تغيير صورتها، وإشارة واضحة إلى فشلها في غسيل سجلها الحقوقي، وذلك بعد أربع سنوات من فشل محاولتها السابقة للانضمام إلى المجلس الذي يضم 47 عضوًا.

وكان عام 2024، قد شهدت تصاعدا في مسار غسيل الصورة، حيث شكل الاستعراض الدوري الشامل،  الذي خضعت السعودية له للمرة الرابعة عام 2024، فرصة.

وفي يناير 2024، شاركت رئيسة هيئة حقوق الإنسان الرسمية هلا التويجري في أعمال دورة الاستعراض الدوري، وأشادت به على اعتبار أنه إحدى مجلس حقوق الإنسان الفاعلة التي تهدف إلى تحسين أحوال حقوق الإنسان في العالم على أساس مبادئ المساواة والشمولية والتعاون والحوار.

التويجري اعتبرت أن حكومة بلادها أبدت “أقصى درجات التعاون والجدية في التعامل مع الآلية”، من تقديم تقاريرها الوطنية في أوقاتها، وإيجاد آلية وطنية فاعلة لمتابعة تنفيذ التوصيات وإشراك أصحاب المصلحة والمشاركة بوفود تضم ممثلين على مستوى عال من مختلف الجهات المعنية.

وقالت التويجري إن السعودية نفذت 85% من إجمالي عدد التوصيات التي قدمت لها والبالغ عددها 450 توصية، فيما تعتمد هيئة حقوق الإنسان على التقييم الرسمي والمعلومات غير المستقلة في معيار تنفيذ التوصيات.

لاحقا، في يوليو، وفي تقريرها إلى الفريق العامل قالت السعودية أنها أيدت 83% من التوصيات التي وجهتها لها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال الدورة الأخيرة، معتبرة أنها نفذت خلال الدورات السابقة ما تتجاوز نسبته 85% من التوصيات.

بحسب تتبع الحقائق، فإن التوصيات التي قبلت بها السعودية، لا تتضمن سوى جزء من التوصيات المقدمة فيما يتعلق بقضية الإعدام وتعديلات قانون الإرهاب، على الرغم من أن هذا الملف هو أكثر صور حقوق الإنسان تدهورا في السعودية.

كما أن الدعم الجزئي لبعض التوصيات يتضمن نفيا للالتزامات الموجبة، حيث أن السعودية دعمت توصية بتقليل عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام وقصرها على أخطر الجرائم وفقًا للقانون الدولي، إلا أنها سجلت ملاحظة على طلب إصدار وقف رسمي لفرض عقوبة الإعدام على الجرائم المتعلقة بالمخدرات.

إلى جانب ذلك فإن دعمها الجزئي لتوصية حول تماشي تشريع مكافحة الإرهاب مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، يتضمن ملاحظة على الجزء المتعلق بحرية التجمع معتبرة أن هذا يقع خارج التزاماتها، وأن القيود القانونية مسموحة في بعض الحقوق والحريات لحماية مصالح عليا.

إضافة إلى ذلك، قبلت السعودية جزئيا توصيات تتعلق بالتصديق على الآليات الدولية مثل العهدين الدوليين، وقبول طلبات زيارة المقررين الخاصين.

يأتي ذلك في ظل تجاهل طلبات زيارة قدمها المقررون منذ سنوات، وفي الحالات التي تم فيها قبول زيارات تم رصد انتهاكات تتعلق بقدرة الخبراء في الوصول إلى المعلومات وإلى جهات مستقلة، وفي ظل قصور واضح في تطبيق معاهدات كانت السعودية قد وقعت عليها سابقا، وبينها اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل.

إضافة إلى الاستعراض الدوري الشامل، استغلت السعودية مناسبات أخرى في المحافل الدولية للترويج لإصلاحات والتعمية على الحقائق. ففي في فبراير 2024، كررت السعودية ادعاءاتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتعاون مع الآليات الدولية الخاصة بها.

وقال وزير الخارجية فيصل بن فرحان ادعى خلال الاجتماع رفيع المستوى للدورة 55 لمجلس حقوق الإنسان، أن بلاده تتعاطى مع حقوق الإنسان من منظور شامل يركز على حماية الفرد والمجتمع وتحسين جودة الحياة.

وخلال الحوار التفاعلي بشأن تقرير الفريق العامل المعني بالتمييز ضد المرأة أمام الدورة 56 لمجلس حقوق الإنسان في يوليو، ادعى عضو البعثة الرسمية في جنيف متعب الخلفي، أن بلاده خلال السنوات الماضية شهدت إصلاحات واسعة حظي مجال حقوق المرأة بالنصيب الأكبر منها.

المداخلة تحدثت عن إصدار وتعديل العديد من القوانين واللوائح بما يكفل تمتع المرأة بحقوقها على قدر المساواة مع الرجل. لم تطرق الكلمة إلى مدى وكيفية تطبيق هذه القوانين والتغييرات، وإمكانية استفادة كافة النساء منها، في ظل انتهاكات واسعة بحق النساء ظهرت بشكل أوسع خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة في السجون.

في السياق ذاته، شاركت رئيسة هيئة حقوق الإنسان هالة التويجري في دورة لجنة مناهضة التمييز ضد المرأة في اكتوبر 2024، حيث اعتبرت أن هناك “تغيير منهجي إيجابي”، في تعاطي السعودية مع ملف حقوق المرأة، ورجعتها إلى الإرادة السياسية والملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد محمد بن سلمان.

وتغني التويجري بتغييرات خلال مناقشة التزامات السعودية اتفاقية التمييز ضد المرأة التي كانت قد انضمت إليها، أتت على وقع تضاعف عدد النساء اللواتي تم إعدامهن، واستمرار الانتهاكات بحق الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان.

وفي شهر نوفمبر عقدت لجنة القضاء على التمييز العنصري دورتها الرابعة عشرة بعد المئة في جنيف، حيث ناقشت التزامات السعودية بموجب اتفاقية القضاء على التمييز العنصري التي انضمت لها عام 1997.

وقد استغلت السعودية انعقاد الدورة للترويج، وكرر الوفد ادعاءاته السابقة فيما يتعلق بالمسائل المطروحة، ففيما يتعلق بعقوبة الإعدام، أكد أنها تُفرض فقط في الجرائم الأكثر خطورة وبعد استنفاد جميع إجراءات التقاضي. وأوضح أن الحكم يُراجع من قِبل 13 قاضياً قبل أن يصبح نافذاً.

وفيما يتعلق بتمكين العمال المهاجرين قال الوفد أن نظام الكفالة قد أُلغي، وأن العلاقة بين أصحاب العمل والعمال تُنظم الآن بعقود قانونية. كما أشار إلى إنشاء ملاجئ لحماية العاملات المنزليات ضحايا الإساءة وضمان حقوقهن القانونية. الرد لم يتطرق إلى استثناءات إلغاء نظام الكفالة ولم يجب على التساؤلات حول فعالية ملاجئ الحماية.

الانتقادات الدولية:

على الرغم من سعيها الحثيث لمنع الحقائق من الوصول إلى الدول والجهات الرسمية الدولية، وعلى الرغم من حملات غسيل الصورة، وجهت إلى السعودية العديد من الانتقادات.

خلال انعقاد دورات مجلس حقوق الإنسان في جنيف، حثت النمسا السعودية على وقف عقوبة الإعدام غير الإنسانية، فيما أبدى مندوب الدنمارك قلق بلاده من تآكل الفضاء المدني وحرية التعبير. إضافة إلى ذلك، أدان الاتحاد الأوروبي عمليات الإعدام التي طالت أفرادا مؤخرا في السعودية ودول أخرى.

من جهتهم، عبر مقررو الأمم المتحدة الخاصين عن قلقهم من الحملة الواسعة التي تقودها السعودية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي واستهدافهم من خلال مراقبة حساباتهم على مواقع التواصل.

وفي رسالة أرسلت إلى السعودية في مارس 2024، وقع عليها كل من المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير والفريق العامل المعني بالتمييز ضد النساء.

الخبراء لفتوا انتباه الحكومة السعودية إلى المعلومات التي وصلتهم بشأن المضايقات القضائية والإدارية المتواصلة وتجريم المدافعين عن حقوق الإنسان، وبينهم لجين الهذلول الممنوعة من السفر، ومريم العتيبي التي وجهت لها تهم وصدر بحقها حكم بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، فيما يتعلق بممارستها لحقها في حرية الرأي والتعبير.

وفي يوليو 2024، اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن سجن السعودية الانفرادي المطول لرجل الدين سفر عبد الرحمن الحوالي  دون محاكمة ودون توفير التسهيلات اللازمة لإعاقته يشكل انتهاكا جسيما.

وكانت اللجنة قد تلقت معلومات من مصدر حول اعتقال الحوالي عام 2018 على خلفية انتقاده ولي العهد محمد بن سلمان، وراسلت الحكومة السعودية حول ذلك، لتصدر رأيا بعد تحليل المعلومات ورد السعودية في مايو 2024.

إضافة إلى ذلك حمّل تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول عقوبة الإعدام السعودية، ودول في الشرق الأوسط مسؤولية الزيادة الحادة في حالات الإعدام حول العالم التي ارتفعت عام 2022، بنسبة 59% مقارنة بعام 2021، حيث نفذت السعودية وحدها 24% من هذه الإعدامات.

وفي سبتمبر 2024، اعتبر المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك أن الاتجاه الإيجابي العالمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام على مستوى العالم يشوبه زيادة كبيرة في عمليات الإعدام في عدد محدود من الدول بينها السعودية.

وفي أكتوبر 2024، أصدر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة رأيا اعتبر فيه أن حرمان سعود الفرج من حريته مخالف للقوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنه اعتقال تعسفي. واعتبر أن العلاج المناسب في هذه القضية هو إطلاق سراحه فورًا وتعويضه. كما حث الفريق الحكومة على ضمان استقلالية كاملة للتحقيق في الظروف المحيطة بالحرمان التعسفي من الحرية بحق الفرج واتخاذ التدابير المناسبة ضد المسؤولين عن انتهاك حقوقه. كما طالب السعودية بموائمة قوانينها وخاصة قانون مكافحة الإرهاب وتمويله مع التوصيات الدولية.

المدافعون عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني:

رفضت السعودية رسميا توصيات الدول خلال الاستعراض الدوري الشامل في 2024، الإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين، وإلغاء حظر السفر المفروض عليهم، والامتناع عن اتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم. وفيما تحاول السعودية الترويج لتعاونها مع آلية الاستعراض وقبول معظم التوصيات، فإن رفضها لدعوة الدول فيما يتعلق بـ المدافعين والمدافعات هو اعتراف ضمني بنيتها تجريم هذه الأنشطة.

في 2024 استمرت السعودية بالإخفاء القسري لمدافعين عن حقوق الإنسان إلى أن سمحت في نوفمبر لمحمد القحطاني بالتواصل بشكل موجز مع عائلته. وكانت المعلومات قد أشارت إلى أن سوء المعاملة والاستمرار بالاعتقال دفع كل من القحطاني وعيسى النخيفي إلى الإضراب عن الطعام أكثر من مرة ما أدى إلى تدهور وضعه الصحي.

إضافة إلى ذلك، وردت إلى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان معلومات من داخل السجن أشارت إلى تعرض المحامي والناشط وليد أبوالخير إلى مضايقات وانتهاكات، إضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد وتسليط السجناء عليه. ويقضي أبو الخير عقوبة بالسجن 15 عاما، أمضى في أبريل الماضي 10 سنوات منها. تعرض خلال هذه السنوات لانتهاكات جسيمة دفعته إلى إعلان الإضراب عن الطعام أكثر من مرة.

في سياق الانتهاكات في السجون، في 14 أبريل 2024، تمكّنت الناشطة مناهل العتيبي أخيرًا من الاتصال بأسرتها بعد اختفائها قسريًّا منذ نوفمبر 2023، حيث أخبرتهم أنها محتجزة في الحبس الانفرادي في سجن الملز في الرياض وأن ساقها مكسورة بسبب الاعتداء الجسدي الذي تعرّضت لها، وقالت إنها محرومة أيضًا من الزيارات الطبيّة.

إضافة إلى ذلك، استمرت السعودية بتجاهل المطالب المتكررة برفع حظر السفر عن المدافعات اللواتي تم الإفراج عنهن وبينهن لجين الهذلول.

فيما يتعلق بالجمعيات والمنظمات الحقوقية، أكد تتبع المنظمة الأوروبية السعودية استمرار منع تأسيس والعمل في أي منظمة مجتمع مدني، حيث أنه على الرغم من تغني السعودية بنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية لم تقبل السعودية أي طلبات تسجيل لمنظمات حقوقية مستقلة، وفعلت عمل هيئة حقوق الإنسان الرسمية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتكون الجهة الوحيدة التي تعمل على ملف حقوق الإنسان في الداخل.

حرية الرأي والتعبير:

استمرت السعودية باستخدام المحكمة المتخصصة بالإرهاب لقمع حرية الرأي والتعبير وتجريمها. ففي أكتوبر 2024، حكمت على رسام الكاريكاتير محمد بن أحمد بن عيد آل هزاع الغامدي بالسجن لمدة 23 عامًا بسبب رسومه الكاريكاتورية، وذلك بعد إعادة محاكمته في جلسة سرية.

وتتعلق التُهم الموجهة إلى الغامدي، الذي اعتقل في 13 فبراير 2018، “تواصله مع أشخاص معادين للمملكة العربية السعودية” و”إنتاج وإعداد وإرسال ما من شأنه المساس بالنظام العام من خلال إرساله عبر مواقع التواصل الاجتماعي” ومخالفته لسياسات السعودية المتعلقة بمقاطعتها التي فرضتها السعودية وعدد من حلفائها في 2017.

وكانت السعودية قد شنت حملة في 2024 ضد مغردين ونشطاء، على تهم بينها ما يتعلق بمنشورات قديمة تعود لسنوات.

ففي يوليو حكمت على الكاتب والمنتج عبد العزيز المزيني لمدة 13 عاماً، إضافةً إلى منعه من السفر لمدة مماثلة، بعدما وجه له القضاء اتهامات بالترويج للإرهاب عبر مسلسله الكرتوني “محافظة مسامير” الذي عرض على منصة نتفليكس.

كما اعتُقل مقدّم برنامج “مربّع” حاتم النجار في يناير 2024 بعد حملة شُنّت ضده على وسائل التواصل بسبب تغريدات قديمة له.

حقوق المرأة:

شكّل عهد الملك سلمان بن عبد العزيز واحدًا من أكثر العهود تخبطًا فيما يتعلق بحقوق المرأة في حين شهدت البلاد انتهاكات مستجدة لم تكن معهودة من قبل.

في 2024 استمرت الاعتقالات بحق النساء، حيث تشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن 51 امرأة ما زلن في السجون السعودية، حيث تم الحكم على 8 منهن بأحكام طويلة تتراوح بين 26 و99 عامًا بين السجن والمنع من السفر.

ومن بين هذه الحالات، تبرز قضية الناشطة سلمى الشهاب، التي كان من المفترض أن يتم الإفراج عنها في ديسمبر 2024 بعد قضاء مدة حكمها بحسب المعلومات، إلا أن السلطات السعودية لم تفرج عنها لأسباب مجهولة.

إضافة إلى ذلك، تستمر السعودية في ممارسة سياسة منع الناشطات من السفر، كأداة عقابية ضدهن، رغم الدعوات الدولية بوقف هذه الممارسات. وقد طالب المقررون الخاصون بالأمم المتحدة بوقف استخدام عقوبة منع السفر، التي تُعتبر من أكثر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، قامت السعودية بإعدام 9 نساء في عام 2024 من جنسيات مختلفة، 5 منهن لم تواجهن تهما من الأشد خطورة في القانون الدولي.

وبهذا، يصل عدد النساء اللواتي تم إعدامهن في عهد الملك سلمان إلى 36 امرأة، في ظل وجود عدد غير معروف من النساء المحكومات بالإعدام حاليًا في السجون السعودية، بتهم مختلفة. وقد طالبت لجنة مناهضة التمييز ضد المرأة بوقف إعدامات النساء، خصوصًا في القضايا التي لا تُعد من الجرائم الأشد خطورة وفقًا للقانون الدولي، مثل القضايا المتعلقة بالمخدرات.

المناسك الدينية:

يعد موسمي الحج والعمرة في السعودية أبرز مواسم السياحة الدينية في البلاد. الدعاية الرسمية تغطي على انتهاكات جسيمة تعاظمت خلال السنوات الأخيرة، جعلت فئات كبيرة من المسلمين يتخوفون من أداء هذا الفرض.

ففي موسم 2024، توفي أكثر من 1100 شخص من أكثر من 20 دولة، حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية. أظهرت اللقطات التي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي صورًا مؤلمة للحجاج الذين انهاروا على الطريق.

ويُعتقد أن العديد من الذين لقوا حتفهم لم يتم تسجيلهم رسميًا، وبالتالي لم يتمكنوا من الوصول إلى الخيام. انعدام الشفافية في التعاطي الرسمية فاقم من حجم الكارثة، في ظل انعدام سبل المحاسبة الجدية للمسؤولين عنها.

إلى جانب كارثة الحج، رصدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان اعتقال العديد من الحجاج والمعتمرين في 2024. مع بداية موسم الحج 2024، برزت معلومات عن اعتقال عدد من المواطنين العراقيين، بينهم المحلل السياسي عماد المسافر من دون توجيه تهمة.

بعد أيام أكد رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية سامي المسعودي اعتقال مواطنين عراقيين، موضحا أن سبب الاعتقال هو إجراءات السعودية التي “تتعلق بتنظيم الحج، ومن بينها الشعارات والنشر الالكتروني والنشر السياسي”. بالتالي فإن سبب الاعتقال هو ترديد أو نشر عبارات سياسية.

إضافة إلى ذلك، تم رصد عدد من الاعتقالات، بينها اعتقال النائب البرلماني التركي، حسن طوران، أثناء أدائه مناسك الحج، بسبب ارتدائه الشال الفلسطيني، واعتقال الأستاذ العراقي سلمان داود السبعاوي، الأكاديمي في جامعة نينوى، أثناء تواجده في مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة.

كما تم اعتقال السعودية الحاج المصري والمحامي إسلام صبحي، وذلك بعد انتشار مقطع فيديو له يتحدث فيه عن الظروف الكارثية التي واجهها الحجاج، من داخل أحد مستشفيات مكة.

في تعليقه على حصول السعودية على حق استضافة بطولة كأس العالم للرجال، قال ولي العهد محمد بن سلمان إن عام 2024 يمثل “نقطة المنتصف نحو تحقيق مستهدفات وطموحات رؤية المملكة 2030″، مشيرًا إلى أن هذا العام يعد جزءًا من مسيرة التحول التي تهدف إلى تعزيز موقع المملكة على الساحة العالمية.

واعتبرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن ظهر نقطة المنتصف التي تحدث عنها بن سلمان كانت في الواقع عامًا داميًا شهد تصاعدًا غير مسبوق في عمليات الإعدام، التي حطمت أرقامًا قياسية، فضلاً عن نسف الوعود الإصلاحية السابقة.

هذا الوضع يعكس الصورة المقلقة للسنوات القادمة ويثير العديد من التساؤلات حول الاتجاه الذي تسلكه السعودية. فبينما تروج السعودية لنجاحاتها الرياضية في سياق الرؤية الاقتصادية والتنموية، تتجاهل بشكل صارخ سجل حقوق الإنسان، الأمر الذي يطرح شكوكا حول مدى انسجام هذه الطموحات مع الواقع القائم.

وفي الوقت الذي يعلن فيه بن سلمان عن أهمية القطاع الرياضي كأداة لتحقيق النمو والتطوير، فإن الواقع في الداخل يكشف عن معاملة قاسية ضد الرياضيين والجماهير، حيث يتعرضون لاعتقالات تعسفية بسبب تعبيرهم عن آرائهم أو لمجرد كونهم جزءًا من الجماهير.

وعلاوة على ذلك، وفي ظل تصاعد الاعتقالات التعسفية بحق الزوار وخاصة المعتمرين والحجاج، ما هي ضمانة سلامة وأمن الجماهير الدولية التي من المتوقع أن تحضر هذه الفعاليات الكبرى في المستقبل.

وختمت المنظمة بأن واقع الانتهاكات هو حجة ضد الدول والجهات التي تساهم في محاولة إخفاء الحقيقة أو التستر على هذه الانتهاكات. بدلاً من الوقوف مع الضحايا، تساهم الجهات التي تدعم محاولات السعودية في غسيل صورتها تضاعف أعدادهم وطمس قصصهم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى