الإمارات وعقد جديد من القمع وانتهاج الدولة البوليسية

الإمارات وعقد جديد من القمع وانتهاج الدولة البوليسية
شكل عام 2021 المنصرم بمثابة افتتاح لعقد جديد من القمع وانتهاج الدولة البوليسية في دولة الإمارات التي شهدت عمليات انتقام وعقاب جماعي عابر للحدود وتهديد ممنهج للمغتربين.
وقال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك” إن الإمارات صعدت خلال العقد الماضي من حملتها على حقوق الإنسان في البلاد، ومارست أقصى العقوبات على المواطنين والمقيمين الذين ينتقدون سياستها أو سياسة دول أخرى.
وذكر المركز أن عام 2021 افتتح عقداً جديداً من تشديد القمع وانتهاج الدولة البوليسية في الإمارات، على الرغم من المزاعم الحكومية بالانفتاح والحداثة لكن ذلك لا يشمل الانفتاح على حرية الرأي والتعبير.
وصَعدت السلطات الإماراتية خلال العام المنصرم من هجومها على حرية الرأي والتعبير، لكن بالمقابل أصبح لدى الجميع وعيّ بالسجل المظلم الذي يزداد قتامة يوماً عن آخر، على الرغم من التشديد الكبير الذي تفرضه السلطات لمنع خروج أي من معلومة عن تلك الانتهاكات ومعاقبة من يقوم بذلك بالسجن المشدد.
ورصد تقرير للمركز أبرز الانتهاكات خلال 2021، وما جرى الحديث عنه من انتهاكات عن المواطنين الإماراتيين بدرجة أساسية أو المقيمين والعمال الأجانب الذين تعرضوا للكثير من الانتهاكات خلال العام.
تسريب منصور لرسائله
لا يزال عشرات المواطنين الإماراتيين رهن الاعتقال في ظروف سيئة للغاية، منذ عشر سنوات، على غرار مجموعة “الإمارات 94” وسجناء رأي آخرين.
فبعضهم لا يزال يقبع في السجن رغم انقضاء مدة عقوبته، بعد أن قررت السلطات الإماراتية إيداعهم بمراكز مناصحة عوض الإفراج عنهم.
وفي يوليو/ تموز2021 تمكن الناشط الحقوقي البارز “أحمد منصور” من تهريب رسائل من سجنه في أبوظبي رغم الأخطار والرقابة الصارمة. لتكشفت حجم المعاناة والتعذيب والتنكيل الذي يتعرض له والسجناء هناك.
وتقول الرسائل المسربة التي كتبها “منصور” تؤكد أنه لا زال يقبع في سجن انفرادي منذ اعتقاله في آذار/ مارس من العام 2017 تحت مراقبة أمنية شديدة وفي ظل إجراءات سجنية صعبة منافية لكل قوانين حقوق الإنسان في العالم.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الاتصال ب”منصور” ممنوع إلى حد كبير وإنه محروم من الحصول على سرير وفراش.
وقالت الأمم المتحدة إن أحمد منصور ما يزال يتعرض للانتقام والتعذيب، والعزل في الحبس الانفرادي، بسبب تعاونه مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وتسلط الانتهاكات التي تمارسها السلطات الأمنية على أحمد منصور الضوء على وضع عشرات المعتقلين الآخرين بينهم: الدكتور ناصر بن غيث عالم الاقتصاد، الدكتور محمد المنصوري المستشار والفقيه القانوني.
والدكتور محمد الركن المحامي والفقيه الدستوري، الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي رئيس جمعية دعوة الإصلاح، والقاضي الدكتور أحمد الزعابي، والشيخ الدكتور محمد عبدالرزاق الصديق أستاذ الشريعة، والأستاذ خالد الشيبة النعيمي، وحسن المرزوقي، وعبدالسلام درويش وعشرات الآخرين من أكاديميين ومحامين ونشطاء وقادة مجتمع مدني.
الانتهاكات في السجون
خلال 2021 استمرت الانتهاكات التي يتعرضون لها مثل الضرب المبرح، والسجون الانفرادية، والتفتيش المهين، والتجويع، والإهمال الصحي، وتعريضهم لدرجات حرارة عالية أو منخفضة.
وكذلك الحرمان من ممارسة الرياضة، والحرمان من التعرض للشمس، والحرمان من النوم لفترات طويلة، وفتح مكبرات الصوت إلى أعلى مستوى وبث الأغاني في أوقات النوم أو الراحة، وغارات ليلية يشنها الحراس على عنابرهم.. الخ، يمنع المعتقلون من الزيارة.
فمعظم المعتقلين في سجن الرزين وسجن الوثبة سيئّ السمعة لم يتلقوا أي زيارة منذ 2020 تحت ذريعة تفشي وباء كورونا، وكثير منهم تم منعه من الاتصال مع عائلته لأشهر طويلة خلال2021، أو حبسهم في زنازين انفرادية لا يصلها ضوء الشمس.
ولم تتمكن عائلات المعتقلين من زيارة ذويهم في السجون منذ 2020 بحجة وجود كورونا، رغم وجود العزل والحواجز الزجاجية، ورغم الخروج مراراً من حالة الحظر.
ومنذ أغسطس/آب 2020 تمنع السلطات تمكين عائلة المعتقل “حسن منيف الجابري” من حقهم في التواصل معه والاطمئنان عليه بزيارته أو التواصل هاتفياً مع عائلته.
كما ترفض تمكين كافة المعتقلين من حقوقهم الأساسية التي يكفلها لهم القانون الإماراتي والدولي في حقهم في التواصل مع عائلاتهم بشكل منتظم.
ومنذ يونيو/حزيران 2021 تمنع السلطات عائلة “عبدالسلام درويش” من التواصل معه هاتفياً والاطمئنان عليه، كما تحرمه من حقه في الاتصال أو التواصل.
ومنذ مارس/آذار 2020، مُنعت عائلة المعتقل “خالد الشيبة النعيمي” من زيارته في السجن، على الرغم من الحواجز الزجاجية الواقية بين المعتقلين والزوار.
كما صادرت السلطات خلال 2021 حق “خالد الشيبة” من الاتصال بعائلته عبر الهاتف إلا من مرات نادرة للغاية.
وفي يوليو/تموز 2021 قال مركز حقوقي إن السلطات تحرم الأكاديمي المعتقل ناصر بن غيث من أدويته إذ يعاني من ارتفاع ضغط الدم، أدى ذلك إلى تدهور حالته الصحية، بالإضافة للانتهاكات وسوء المعاملة التي تعرض لها منذ اعتقاله عام 2015. ومنع ناصر بن غيث في مارس/آذار 2021 من تشييع جنازة والدته.
كما تمنع المعتقلين السياسيين من أداء صلاة الجمعة جماعة، وتمنعهم من صلاة العيد في مسجد السجن سواء كانوا جماعة أم أفرادا.
وفي فبراير/ شباط2021 حثت خبيرة مستقلة بالأمم المتحدة السلطات الإماراتية على الإفراج عن النشطاء الحقوقيين محمد الركن وأحمد منصور وناصر بن غيث، وقالت إنهم يواجهون معاملة سيئة في ظروف ربما ترقى إلى حد التعذيب.
أما عن وضع السجناء فتقول المعلومات عام2021 أنه في “سجن الوثبة” على سبيل المثال: الأسرة في العنابر تتسع لـ 12 سجيناً، لكن وجود أكثر من 20 شخصاً، يضطر بعض المعتقلين للنوم على الأرض بين الأسرّة. وينام سجناء في الممرات!
ويقوم مسؤولي السجن بمعاقبة المعتقلين عقابًا جماعيًا، لأي خطأ، مهما كان بسيطًا. وقال أحد المعتقلين السابقين: “إن الرائد إبراهيم الحمادي، مدير الأمن في السجن حرم المعتقلين في أحد العنابر من استخدام الهواتف والمكتبة والمقصف لمدة أسبوع بسبب مشاهدته مياهً على الأرض.”
وقال معتقلون سابقون: إن هناك زنازين مخصصة للعقاب مشهورةٌ باسم (الحفرة) لأن مَن فيها لا يسمعه أحد حتى إن قام بالمناداة على الحراس حال احتاجَ شيئاً أو مَرِضَ أحدهم، وقد تم نقل بعض السجناء إليها بسبب قيامهم بتحفيظ القرآن.
وفي مارس/آذار 2021 قالت منظمة حقوقيه أن ” الطالب العماني عبدالله الشامسي المعتقل في سجن الوثبة في الإمارات أبلغَ مُقرَبين له عن أنه سيُقدم على الانتحار نتيجة يأسه من الإفراج عنه”.
وأفرج عنه في الشهر التالي ضمن محاولة لتحسن العلاقات السياسية مع “مسقط” وإعلان نهاية الأزمة الخليجية، وحكم عليه بالمؤبد بتهمة “التخابر” مع دولة قطر.
جريمة السجن بعد انتهاء الحكم السياسي
تستمر السلطات الإماراتية في اعتقال الناشطين الحقوقيين والمنتقدين لسلطتها رغم انتهاء فترات السجن التي حُكم عليهم بها. والمعتقلون الذين انتهت أحكامهم ولا يزالون في سجون أبوظبي.
وهؤلاء هم: عبد الله الحلو والذي انتهت عقوبته في 22 أبريل/أبريل 2017، وخليفة ربيعة الذي انتهت عقوبته في 23 يوليو/تموز 2018، وعبد الله الهاجري ، الذي انتهت عقوبته في 16 يوليو/تموز 2019، كذلك عمران الرضوان الحارثي والذي انتهت عقوبته في 16 يوليو/تموز 2019.
وكذلك فهد الهاجري والذي أنهى عقوبته منذ 2 مارس/آذار 2020، ومحمود الحوسني والذي انتهت عقوبته في 16 يوليو/تموز 2019، ومريم سليمان البلوشي التي انتهت عقوبتها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأمينة محمد العبدولي التي انتهت عقوبتها في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وحرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يُظهر “ازدراء صارخا لسيادة القانون. لهؤلاء الرجال جميعهم حياة وعائلات ليعودوا إليها، وينبغي ألا يواجهوا احتمال الاحتجاز إلى أجل غير مسمى، وهو أمر قاس وغير قانوني”. حسب ما أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش.
وسبق أن وثقت منظمة العفو الدولية، العديد من حالات الانتهاكات ضد المعتقلين كان جهاز أمن الدولة هو المسؤول عن معظمها، ألقِيَ القبض على الأشخاص بدون أمر قضائي، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع أو شهور، وتعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة.
وفي أبريل/نيسان2021 أفرجت السلطات بعفو من رئيس الدولة عن أربعة معتقلين سياسيين من سجون “المناصحة”.
وهؤلاء هم: فيصل الشحي وأحمد الملا الذي كان من المفترض الافراج عنهم في عام 2017، وسعيد البريمي الذي انتهمت محكوميته في 2018، ومنصور الأحمدي الذي كان من المفترض انتهاء محكوميته في 2019.
كما لا تزال السلطات تخفي أفراداً في سجونها منذ سنوات دون معرفة مصيرهم بينهم “جمال النحاس” وهو ناشط سوري اعتقلته الإمارات في 2019م وفي أغسطس/آب 2021 طالبت الأمم المتحدة من السلطات الإماراتية كشف مصيره.
وكذلك جمال الحمادي، الذي لا زال مختفياً منذ قرابة تسع سنوات إذ اختفى منذ 20 أبريل 2013 أثناء عودته إلى منزله في مدينة خورفكان، وحتى نهاية 2021 ترفض السلطات الإماراتية إعطاء إجابة واضحة حول مصيره.
المعتقلات الإماراتيات
أما فيما يخص المعتقلتين في سجون الدولة فقد أنهت الناشطتين مريم البلوشي وأمينة العبدولي فترة سجنهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وفيما كانت عائلتهما بانتظار خروجهما من السجن، علمتا أن السلطات وجهت لهما اتهامات أخرى في 2019، بعد أن سربتا رسائل إلى خارج السجن تتحدث عن انتهاكات ارتكبتها السلطات بحقهما وحق رفقيتهما “علياء عبدالنور” التي توفيت في السجن بسبب الإهمال الطبي والتعذيب.
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول2021 قال مركز حقوقي إن السلطات حكمت في ابريل/نيسان2021 على الناشطتين بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “نشر معلومات تخل بالنظام العام”.
الحكم الصادر ضد أمينة ومريم يفتقر لكامل الأسس القانونية السليمة ولا يضفي الشرعية على احتجازهما ولا يغير من حقيقة كونه احتجازاً تعسفياً يخالف القانون الدولي-حسب المنظمات الدولية.
تستخدم السلطات القوانين سيئة السمعة مثل “قانون مكافحة الإرهاب” باحتجاز المعتقلين حين تفشل في العثور على أدلة تبقيهم في السجن، وتبقيهم في مراكز المناصحة تحت مزاعم توافر الخطورة الإرهابية.
وقالت الأمم المتحدة إن السلطات الإماراتية انتقمت من مريم وأمينة بسبب تعاونها مع المنظمة الدولية، ولفتت إلى أن “مقاضاتهما بتهم جديدة تبدو بمثابة انتقام واضح لطلب مساعدة المجتمع الدولي”.
وأكدت أن المرأتين “واجهتا أعمالاً انتقامية، بما في ذلك سوء المعاملة التي يبدو أنها تستند إلى نوع الجنس، بسبب توجيه انتباه الإجراءات الخاصة (التابعة للأمم المتحدة) إلى ظروف احتجازهم “.
عقاب جماعي
يفرض جهاز أمن الدولة الإماراتي سياسة عقاب جماعي بحق المعتقلين وعائلاتهم، حيث يحرم عائلات المعتقلين من التعليم، والصحة، والوظيفة العامة، إضافة إلى سحب الجنسيات من عائلاتهم ورفض تجديد جوازات السفر. وتزايد الاضطهاد لهذه العائلات خلال 2021.
ويمنع جهاز أمن الدولة عشرات العائلات من السفر إلى خارج البلاد، بسبب أن أحد ابناءها معتقل أو تعتبره معارضاً للنظام يعيش خارج الدولة. ويتشارك عائلات المعتقلين في رفض السلطات السماح لهم بزيارة المعتقلين أو الاطمئنان عليهم.
كما ركز أمن الدولة جهوده في 2021 للضغط على زوجات المعتقلين بكافة الوسائل الممكنة لدفعهن إلى طلب الطلاق، وقد تحوّل ذلك لأسلوب ممنهج ضد جميع المعتقلين الذين تم سحب جنسياتهم.
ويجبر جهاز أمن الدولة المواطنين على التعامل مع عائلات المعتقلين بعنصرية “بكونهم نتوء شاذ” عن توجيهات جهاز الأمن لذلك يستوجب عقابهم، في سياسة عقاب جماعي لم يعرفها تاريخ الإمارات الحديث. حيث تتعمد سلطات أبوظبي إلحاق الضرر بأقرباء الضحايا إمعانًا في القمع وكتم الأصوات.
قائمة الإرهاب
في السياق ذاته تستخدم السلطات “مواجهة الإرهاب” في إطار جهودها لمهاجمة المنتقدين والمعارضين، و في (2021) أعلنت السلطات عن إضافة أربعة مواطنين إماراتيين في الخارج في قوائم الإرهاب وهم “الناشط الحقوقي حمد الشامسي، والمستشار القانوني البارز محمد صقر الزعابي، والكاتب والخبير التربوي أحمد الشيبة النعيمي، والدكتور سعيد الطنيجي رئيس جمعية دعوة الإصلاح السابق في رأس الخيمة”.
يشمل ذلك تجميد الأصول، ومصادرة الممتلكات، وتجريم اتصالات أقاربهم المقيمين في الإمارات معهم.
وليس جديد على سلطات أبوظبي استخدام “مواجهة الإرهاب في القرارات السياسية، ففي عام 2012 صنفت جمعية دعوة الإصلاح في قوائم الإرهاب، إلى جانب عشرات المنظمات الإسلامية التي تعتبر بعضها نشطة في أوروبا والولايات المتحدة ولم تسجل عليها أي أعمال أو دعوة لعنف.
والمعارضون الأربعة جميعهم في منفى اختياري، وأبلغوا جميعا عن أشكال مختلفة من المضايقات على أيدي أجهزة الأمن ضد أفراد عائلاتهم المقيمين في الإمارات لمجرد أنهم أقاربهم، تشمل منع السفر، والمراقبة المكثفة، والقيود على الحقوق الأساسية بما فيها العمل والتعليم، وحتى إلغاء جوازات السفر.
وهو قرار سياسي صادر عن مجلس الوزراء وليس عن القضاء. ويعتبر هذا القرار السياسي رسالة للإماراتيين أن المنظومة العدلية هي مجرد ديكور صوري، في القضايا المتعلقة بالسياسة والانتقاد وحرية الرأي والتعبير، وأن القرارات المتخذة في هذا النوع من القرار ستكون سريعة بقرار سياسي لا يمكن نقضه.
وفي الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 توفي نجل “النعيمي” المريض بشلل دماغي في مستشفى إماراتي، وكانت السلطات منعته من السفر منذ 2014 للانتقام من والده.
ومع فوز مسؤول سابق في الداخلية الإماراتية بمنصب رئيس الانتربول يخشى المواطنون الإماراتيون المعارضون في الخارج من تصنيفهم الظالم كإرهابيين يمكن أن تتبعه مذكرات “إنتربول” حمراء خادعة تصدرها أبوظبي ضدهم.
انتهاكات ما بعد الموت
لا تمارس السلطات الإماراتية الانتهاكات بحق الأحياء داخل البلاد وخارجها بل حتى من وافتهم المنية خارج الدولة تصرّ الدولة على ممارسة الانتهاكات بحقهم وحق عائلاتهم. حيث يبقى الموت خارج أراضي البلاد محتملاً للناشطين الحقوقيين، بين هؤلاء آلاء الصديق الناشطة الحقوقية البارزة -ابنة المعتقل محمد عبدالرزاق الصديق- التي توفيت بحادث مروري في المملكة المتحدة.
ورفضت أبوظبي استقبال جثتها في استمرار للانتهاكات بحقها حتى بعد موتها لتدفن في “قطر” الدولة المجاورة للإمارات.
خلال تسع سنوات مضت كانت “آلاء” في دفاع مستميت عن والدها وعن كل المعتقلين السياسيين في الإمارات، الذين سجنوا لمطالبتهم بالإصلاحات السياسية، والسجن هو إبعاد لهؤلاءِ النخّبة عن المجتمع في أحلك ظروف الدولة وفي هذه الفترة الزمنية العصيبة على الإمارات سلطة وشعباً.
لكن “آلاء الصديق” كانت حاملة لتلك الراية التي عجز كثيرون عن حملها للدفاع عن وطنهم وحقوق شعبهم. فمثلت الإمارات خير تمثيل، كما مثلت دول الخليج والدفاع عن حقوقهم كذلك أفضل تمثيل.
وحسب صحيفة الغارديان متحدثة عن تشييع آلاء “ابتعد عدد من المعزين عن جثمانها خلال الصلاة عليه، لأنهم لم يكونوا راغبين برؤيتهم بين جموع المصلين خشية وجود كاميرات سرية في المسجد تصورهم”.
وكشف تحقيق لهواتف “الصديق” قام به باحثون في “سيتزن لاب” بجامعة تورنتو، والذي يقوم بمتابعة البرمجيات الخبيثة ضد الصحافيين والناشطين، أنها تعرضت للمراقبة والتنصت من حكومة على علاقة مع شركة “أن أس أو غروب” الإسرائيلية.
البدون وأبناء المواطنات
في مطلع عام 2021 أعلنت أبوظبي خطة لمنح المواطنين الأجانب الحاصلين على درجة عالية من التعليم، أو ذوي المهارات، أو الأثرياء وأسرهم فرصة نيل الجنسية، في حين لا يزال قانون الجنسية في البلاد يستبعد فئات أخرى، مثل الأطفال المولودين لإماراتيات وآباء أجانب، وكذلك عديمي الجنسية (البدون).
ويستمر هؤلاء الإماراتيون (دون جنسية) في همومهم المستمرة في توثيق عقود الزواج والطلاق، وفي شهادات الوفاة والميلاد، بسبب رفض وزارة الصحة إدراجهم تحت كشوفاتها، ليجدوا أنفسهم تحت قضية شائكة يعيشون فصولها كل يوم من الحرمان والإهمال والتهميش.
كما أن هؤلاء البدون وأبناء المواطنات محرومون حتى اليوم من تسجيل العقارات أو السيارات بأسمائهم، رغم أن ذلك مسموح للأجانب دون قيود، حيث ترفض السلطات توظيفهم أو السماح لهم في العمل بالقطاع الحكومي، وتفرض عليهم وزارة الصحة مبالغ لقاء العلاج.
ولجأ الإماراتيون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، للإشارة إلى “النفاق الشديد للخطة الجديدة، والمطالبة بالجنسية لجميع أولاد الأمهات الإماراتيات”. واتهم البعض الحكومة ببيع حق اكتساب المواطنة بالولادة إلى الأجانب.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش: “لا تزال المرأة الإماراتية تواجه التمييز في منح الجنسية لأولادها مقارنة بالرجل الإماراتي”. لافتة إلى أن “قانون الجنسية الإماراتي ينص على أنه يحق لأبناء الرجال الإماراتيين تلقائيا نيل الجنسية الإماراتية، بينما لا يحق للمولودين لأم إماراتية وأب غير إماراتي نيلها”.
تهديد المقيمين في الإمارات
لم تجد المناشدات بوقف الانتهاكات بحق المواطنين والمقيمين آذانًا صماء فحسب، بل وسعت السلطات رقعة الانتهاكات لتهدد السياح والمغتربين حتى في الفعاليات الخارجية التي تقيمها.
وضاعت السلطات سلوكها الأمني من خلال مضايقة وتهديد الصحفيين الأجانب الموجودين في دبي لتغطية “إكسبو 2020”.
ووفقا لشبكة “ABC News”الأمريكية فقد حاول المسؤولون الإماراتيون مرارا إجبار الصحفيين الأجانب على التوقيع على نماذج تقضي بتحويلهم لمحاكمة جنائية في حال عدم اتباع التعليمات”.
وبعبارة أخرى، فحتى عندما تقوم الإمارات بفتح أبوابها للسائحين من جميع أنحاء العالم، فإنها تهدد أيضا بغلق باب السجن على أولئك الذين يمارسون حرية التعبير.
وخلال 2021 امتلأت الصحف الأجنبية بروايات عن السجون في الإمارات التي وصفت بكونها حفرة من الجحيم.
فبعد اعتقاله في 31 يناير/ كانون الثاني2021، قال نشطاء إن “هود بيلي” أُجبر على التوقيع على اعتراف كاذب مكتوب باللغة العربية يقرّ فيه بارتكاب جرائم أكثر خطورة تتمثل في الاتجار بالمخدرات! وتعرض بيلي للتعذيب حسب إفادته وأقاربه، ولم يمكن من الوصول إلى محامي.
في (سبتمبر/أيلول2021)، تم الكشف أن ألبرت دوجلاس، 60 عامًا، سُجن في وقت سابق، وتعرض للضرب بعد أن تم حبسه بسبب “شيك مرتجع”. ومنذ ذلك الحين أُجبر على شرب ماء المرحاض ومشاهدة رفاقه في الزنزانة وهم يتعرضون للتعذيب، حسب منظمة ونشطاء حقوق إنسان.
وفي مارس/آذار2021 وقع 15 نائبا بريطانيا على رسالة تطلب من الوزراء رفع قضية على سلطات دبي بشأن “الاحتجاز غير القانوني” لمايكل سميث البالغ من العمر 54 عاما، أنهى فترة سجنه في الدولة ولم يفرج عنه.
واتهم في 2009 بالتزوير وإساءة استخدام المنصب العام والاحتيال من شركة عقارية مملوكة لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وقال محاميه إنه لم يكن لديه تمثيل قانوني ولا مترجمين لفهم إجراءات المحكمة الصادرة باللغة العربية.
فيما بعد، خففت محكمة الاستئناف الحكم إلى ست سنوات وحددت تاريخا للإفراج عنه في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2017. وفي يونيو/حزيران 2014 عفا عنه الشيخ محمد بن راشد كجزء من عفو بمناسبة شهر رمضان. لكنه ما يزال في السجن.
وفي السياق سَمت هيومن رايتس ووتش، سجن “البرشاء” في إمارة دبي كواحد من ثلاثة مراكز احتجاز في جميع أنحاء الإمارات حيث يعيش السجناء في ظروف سيئة.
وقالت المنظمة إن السجناء في “البرشاء” حُرموا من الرعاية الطبية الكافية وأن الاكتظاظ والظروف غير الصحية تجعل ممارسات النظافة صعبة للغاية خاصة أثناء الوباء.
وفي مايو/آيار 2021 أعلن الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز إنه رفع قضية على مسؤولين إماراتيين بعد مرور ثلاث سنوات على اعتقاله في مطار دبي أثناء مغادرته للدولة عقب انتهائه من بحث حول الحالة السياسية في الإمارات، واتهم بالتخابر مع حكومة بلاده، وأدين بالسجن مدى الحياة قبل العفو عنه.
وفي فبراير/شباط 2021 طالبت منظمات دولية السلطات الإماراتية بالإفراج عن الناشط الأردني أحمد العتوم المعتقل في أبوظبي بتهم متعلقة بارتكاب “أعمال ضد دولة أجنبية” من شأنها “الإساءة للعلاقات السياسية” مع تلك الدولة و”تعريض أمن الإمارات للخطر”، فقط بسبب انتقاده السلمي للعائلة المالكة الأردنية والحكومة الأردنية وحكم عليه بالسجن عشر سنوات.
من جهته قال مرصد الأعمال وحقوق الإنسان إن السلطات الإماراتية مستمرة في ممارسة الانتهاكات ضد العمال المهاجرين إلى الدولة.
وأشار المرصد إلى أنه تتبع 186 حالة انتهاك ضد عمال مهاجرين في الإمارات العربية المتحدة بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني2021م.
وفي سياق متصل كشفت جماعات حقوقية ومقابلات أجرتها وكالة اسوشيتد برس مع أكثر من 20 عاملاً في معرض إكسبو 2020 الذي تستضيفه الإمارات، عن تعرض عدد كبير من العمال لانتهاكات مست حقوقهم الأساسية، سواء المرتبطة بنظام الكفيل الذي يقيّدهم، أو حتى تلك المتعلقة بظروف العمل والأجر والغذاء. بما في ذلك العمل لفترات طويلة وإلغاء وجبات طعام كانت مكفولة أثنا توقيع العقد.
من جهة أخرى كشفت شهادات نشرتها وكالة رويترز أن عددا معتبرا من الأفارقة، اعتُقلوا قبل يوم من دفع رواتبهم، ورُحّلوا دون أوراق ثبوتية، وأوقفهم رؤساؤهم السابقون، حيث يكافح مئات المهاجرين الأفارقة الذين طردوا من أبوظبي من أجل البدء من جديد دون وثائق أساسية وأموال ضرورية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 اتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها، الإمارات بترحيل حوالى 375 عاملا أفريقيا، بعدما تم اعتقالهم في مداهمات وصفتها بـ”المروعة”، وسجنهم لأكثر من شهرين في ظروف “مهينة”، ودون اتباع أي شكل من أشكال الإجراءات القانونية الواجبة.
لكن السلطات -التي اعترفت بذلك- قالت إن ترحيلهم يأتي “ضمن إطار الإجراءات القانونية لمواجهة الجرائم المتعلقة بالاتجار بالبشر والقضايا الواقعة بالضرر على النساء وقضايا الابتزاز والاعتداء وفي أعمال منافية للآداب العامة”.
وردت منظمة العفو الدولية بالقول إنه وفي ليلة 24-25 يونيو/حزيران 2021، اعتقلت السلطات الإماراتية المئات من الأفارقة، قبل أن يتم وضعهم بشكل تعسفي في سجن الوثبة لمدة تصل إلى شهرين، ومن ثم ترحيلهم بعد تجريدهم من متعلقاتهم الشخصي، وتزوير نتائج فحص المسحة الأنفية (PCR)، بحسب المنظمة.
وقال الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات إنهم لم يمثلوا أمام مدع عام أو قاض أو محكمة، ولم يعطوا أي مستندات توضح سبب احتجازهم، وإنهم لم يمنحوا أبدا فرصة استشارة محام، أو استقبال أي زائر.
وفي سياق متصل أصدرت لجنة لتقصي الحقائق التي تم تشكيلها من برلمانيين بريطانيين تقريراً خلص إلى توصيات أُرسلت إلى حكومتي المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة بشأن حقوق المرأة البريطانية في الإمارات، حيث وجد التقرير أن سجل حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة ـ خاصة فيما يتعلق بالمرأة ـ مروع ويحتاج إلى معالجة عاجلة.