تقارير

الإمارات.. دولة استبداد دون حقوق لمواطنيها ولا تمثيل سياسي

الإمارات.. دولة استبداد دون حقوق لمواطنيها ولا تمثيل سياسي

يفرض النظام الإماراتي نهجا استبداديا في حكمه بحيث يسلب مواطني الدولة أي حقوق أو تمثيل سياسي في ظل بيئة تقوم على فوضى تشريعية وانتھاكات قانونیة غیر مسبوقة.

ولدى إعلان قيام الإمارات عام 1971، تم إقرار دستور مؤقت ینظم البلد الجدید ویحدد أھدافه تضمن إرساء قواعد الحكم الاتحادي على أسس سلیمة وإنشاء حكم دیمقراطي.

إذ جاء في نص الدیباجة الجملة التالیة: “يُعد شعب الاتحاد في الوقت ذاته للحیاة الدستوریة الحرة الكریمة، مع السیر به قدما نحو حكم دیمقراطي نیابي متكامل الأركان، في مجتمع عربي إسلامي متحرر من الخوف والقلق”.

وختم حكام الإمارات دیباجة الدستور بالجملة التالیة: “ومن أجل ذلك كله وإلى أن یتم إعداد الدستور الدائم للاتحاد نعلن أمام الخالق العلي القدیر، وأمام الناس أجمعین، موافقتنا على ھذا الدستور المذیل بتوقیعاتنا لیطبق أثناء الفترة الانتقالیة المشار إلیھا فيه “.

لكن الدستور الذي كان من المقرر أن یكون مؤقتاً ویتم تطبیقه في المرحلة الانتقالیة نحو الحكم الدیمقراطي، أصبح اعتباراً من 1996 دستوراً دائماً، لتذھب وعود الحياة الكريمة والحكم الديمقراطي أدراج الرياح.

وبعد مرور 50 عاماً على إعلان الاتحاد الإماراتي، لا یبدو أن أحلام الحكم الدیمقراطي النیابي وحدھا التي تبخرت، بل حتى الحقوق التي كانت موجودة قبل قیام الاتحاد تبخرت ھي الأخرى.

وأصبح مجرد الحدیث في الشأن السیاسي أحد أحلام المواطن الإماراتي، ومازال الشعب یعیش دون تمثیل سیاسي حقیقي أو سلطة تشریعیة، والنظام القانوني یفتقد لأبسط مقومات سیادته، مثل وجود فصل بین السلطات أو قضاء مستقل یضمن حقوق الناس أو حتى محكمة دستوریة تراقب عملیة إصدار القوانین.

وبدلاً من تأسیس حكم دیمقراطي متكامل الأركان كما وعد الدستور قامت السلطات بتأسیس حكم استبدادي متكامل الأركان، استبدلت فيه المجلس النیابي بما یسمى المجلس الوطني الاتحادي، وھو مجلس استشاري يمثله 40 عضواً، كان یتم تعیینھم بالكامل من قبل السلطات قبل 2006.

وفي عام 2006 تم تعدیل القانون وسمح للشعب بانتخاب 20 عضواً من أعضاء المجلس، بینما تقوم السلطات بتعیين 20 آخرین.

ورغم أن المجلس لا یعدو كونه ھیئة استشاریة بلا أي صفة إلزامیة، لكن السلطات الإماراتیة لم تترك حریة الاختیار للناخبین، وقامت باختراع نظام انتخابي غیر مسبوق تقوم بموجبه بوضع جداول سمیت بـ”الھیئات الانتخابیة” من أجل اختیار المواطنین الذین یحق لھم الانتخاب والتصویت.

وعلاوة على ذلك، فإن القانون الإماراتي لا یسمح لجمیع المواطنين بالترشح أو الانتخاب، حیث ینص قانون الجنسیة في المادة 13 على أن من كسب جنسیة الدولة بالتجنیس لا یحق له الترشح أو الانتخاب أو التعیین في أي ھیئة من الھیئات التشریعیة أو الشعبیة أو المناصب الوزاریة.

وفي آخر انتخابات جرت عام 2019 فإن عملیة التصویت تمت إلكترونیاً دون وجود صنادیق اقتراع أو أوراق انتخابیة، وھو ما دفع وسائل الإعلام العربیة إلى وصفھا بأنھا أغرب انتخابات في العالم.

وبحسب اللوائح التي أصدرتھا السلطات الإماراتیة، فإنه لا ُیسمح للمرشحین بالحدیث عن القضایا السیاسیة أو الاقتصادیة، كما لا یسمح لأي مرشح بانتقاد أي سیاسة حكومیة معلنة، على كافة الصعد.

وقد قامت الحكومة في الانتخابات الماضیة بإجبار عدد من المرشحین على الانسحاب نظراً لانتھاكھم ھذه اللوائح وحدیثھم عن قضایا سیاسیة واجتماعیة، وھو ما جعل بعض المنظمات الحقوقیة تطالب اللجنة الوطنیة للانتخابات بالتحقیق في دعاوى تعرّض بعض المرشحین للضغوط وإجبارھم على الانسحاب بسبب برامجھم الانتخابیة.

وفي حينه، قالت المنظمة الفيدرالیة الدولیة للحقوق والتنمیة “إفراد”، إن انسحاب المرشحین لشكواھم من ضغوط تمارسھا السلطة علیھم یزید من الشكوك القائمة أصلاً بشأن شفافیة انتخابات المجلس الوطني في الإمارات، ومستوى الترشح والانتخاب الحر فیھا.

كما أكدت المنظمة في بیان أن الانتخابات تجري في بیئة سیاسیة غیر دیمقراطیة، ولن تكون انتخابات حرة في ظل القیود الحكومیة وعملیات القمع المتواصل للنشطاء.

وكما ھو الحال في الحقوق السیاسیة، فإن الحال في الحقوق الأخرى لم یكن أفضل كثیراً، فرغم مرور 50 عاماً، فإن الإمارات من الدول القلیلة التي مازالت ترفض التوقیع على اتفاقیة العھد الدولي الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة، وھي اتفاقیة دولیة تنص على كفالة حقوق الإنسان الأساسیة، وقد وقعت علیھا معظم دول العالم تقریباً بل إن حقوق الإنسان الأساسیة مثل التعلیم والعمل والعلاج باتت مرھونة بالحصول على موافقة أمنیة من جھاز أمن الدولة، وهذا شرط أساسی للحصول على الوظائف والترقیة والانتداب والإعارة والنقل وحتى الإجازة الدراسیة.

ورغم أن المحكمة الاتحادیة العلیا أصدرت قراراً في منتصف 2019 یؤكد أن اشتراط الموافقة الأمنیة غیر قانوني ومخالف للقانون الإماراتي، إلا أن السلطات مازالت تشترطها حتى في أبسط الأمور، لدرجة أن التطوع من أجل المشاركة في معرض الكتاب یحتاج الحصول عليها.

الیوم تدخل الإمارات الیوبیل الذھبي مع حزمة كبیرة من القوانین القمعیة وغیر الدستوریة جعلتھا تحمل عن جدارة واستحقاق لقب أكثر دولة بولیسیة بالشرق الأوسط، وھي قوانین تعكس بالمجمل الحالة القانونیة والحقوقیة المتردیة التي وصلتھا الدولة.

فابتداء من قانون أمن الدولة لعام 2003 الذي منح الجھاز صلاحیات للتدخل في كل شيء تقریباً، ووفر له غطاء قانونیاً لاعتقال الأشخاص تعسفیاً وانتھاك حقوقھم الأساسیة والتجسس على حیاتھم الخاصة كما یرید.

وللمفارقة، فإن ھذا القانون مازال سریاً ولا یمكن الاطلاع عليه، ولم تقم السلطات حتى الآن بنشره في الجریدة الرسمیة رغم مرور أكثر من 17 عاماً على إصداره، وھو ما یعد مخالفة صریحة لنص المادة 111 من الدستور الإماراتي التي تشترط نشر القوانین في الجریدة الرسمیة للاتحاد خلال أسبوعین على الأكثر من تاریخ توقیعھا وإصدارھا من قبل رئیس الاتحاد.

ولیس انتھاء بقانون العقوبات ومكافحة الإرھاب والجرائم الإلكترونیة والمناصحة، وھي قوانین تنتھك حقوق الإنسان الأساسیة وتفتقر إلى معاییر الیقین القانوني، وتحتوي على نصوص فضفاضة وغامضة تسمح للسلطات بتجریم حریة التعبیر وحتى حریة التفكیر إن رغبت بذلك.

ناھیك عن أن التلاعب بعملیة إصدار القوانین واللوائح التنفیذیة والقرارات السیادیة، أصبح السمة الغالبة على أعمال الحكومة خلال السنوات العشر الماضیة، حیث أصدرت السلطات خلال ھذه الفترة سیلاً من القوانین الاتحادیة والمحلیة والمراسیم واللوائح بشكل مخالف للدستور.

ومؤخراً تلجأ السلطات الإماراتیة كثیراً إلى إصدار مراسیم بقوانین رغم عدم تحقق شرط الاستعجال الذي یتطلبه الدستور لإصدار مثل ھذه المراسیم، في حالة تعكس سیطرة طرف واحد على قرار الاتحاد الخارجي والداخلي.

وحتى نوضح ھذه النقطة بشكل أكبر، فإن التشریعات الاتحادیة التي تحمل قوة القانون ھي على نوعین، الأول ھو القوانین الاتحادیة ويتم إقرارها أصلاً بموافقة رئیس الدولة ومجلس الاتحاد الأعلى الذي یضم حكام الإمارات.

أما النوع الثاني فھو المراسیم بقوانین ولھا قوة القانون یصدرھا رئیس الاتحاد بشكل مستعجل بین أدوار انعقاد مجلس الاتحاد في حالة وجود أمر مستعجل یدفعه لذلك، وتكون مؤقتة، ولا بد من عرضھا على المجلس الأعلى للاتحاد عند انعقاده، حیث یملك المجلس إقرارھا أو رفضھا، وهناك أنواع أخرى من التشریعات التي تصدرھا السلطات مثل المراسیم العادیة وقرارات مجلس الوزراء والتعامیم لكنھا لا تعتبر قانونية بل إداریة.

ورغم ذلك، فإن السلطات وباستھتار واضح بالقواعد الدستوریة وبالمبادئ القانونیة، قامت في الفترة الأخیرة بإصدار كمیة من المراسیم بقانون والقرارات غیر الدستوریة دون وجود أي حالة استعجال أو حتى مبرارات منطقیة، ولم تقم بعرضھا على المجلس الأعلى للاتحاد حتى بعد انعقاده .

مثلاً قامت السلطات الإماراتیة مؤخراً بإصدار بقانون اتحادي (رقم  3 لسنة 2020) بشأن تعدیل بعض أحكام القانون الاتحادي (رقم 17لسنة 1972) بشأن الجنسیة وجوازات السفر، وھو مرسوم یعكس كمّاً كبیراً من الانتھاكات الدستوریة.

أولاً لأنه لا یوجد سبب عاجل یدعو السلطات إلى إصدار مرسوم یضیف فئة ثالثة للجنسیة الإماراتیة، وكان یمكنھا انتظار انعقاد المجلس الأعلى للاتحاد من أجل إضافة مثل ھكذا قانون، وثانیاً لأن مثل ھذا التعدیل یخلّ بمبدأ المساواة الذي ینص علیه الدستور الإماراتي في “المادة 25″، ففكرة تصنیف المواطنین إلى فئات ھي انتھاك واضح لھذا المبدأ.

ومن الأمثلة الأخرى على عدم مبالاة السلطات الإماراتیة لاحترام مبادئ القانون، وفي انتھاك لأبسط المبادئ، وھو تدرج القاعدة القانونیة، قامت السلطات مؤخراً بإلغاء القانون الاتحادي رقم 15 لسنة 1972، بشأن مقاطعة إسرائیل والعقوبات المترتبة علیه من خلال مرسوم عادي، أي أنھا قامت بإلغاء قانون من خلال قرار إداري، وھو أمر مستحیل قانونیاً، فلا یمكن إلغاء القانون إلا بقانون .

50 صفحة ربما لن تكون كافیة لحصر انتھاكات ومشاكل القوانین الإماراتیة، كما أن الـ50 عاماً لم تكن كافیة لدخول الإمارات إلى عالم الدول القانونیة والدیمقراطیة.

المصدر: Emirates Leaks

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى