كيف تعامل الإعلام الإماراتي وإعلام دول التطبيع مع ما يحدث في فلسطين؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث
بعد أن صُرفت الملايين لتغيير وجهة الرأي العام العربي والإسلامي، من قبل الكيان الصهيوني أو من قبل الأنظمة العربية المُطبعة، فشلت كل تلك الجهود في مهمتها، وجاءت المواجهات التي يخوضها شعبنا الفلسطيني ضد هجمات الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية والقدس والمناطق العربية داخل الكيان، لتفجر عند الشعوب العربية والإسلامية مشاعر التعاطف معهم وتعيدها إلى سيرتها الأولى، وخرجت الجماهير في تظاهرات منددة بالاحتلال الصهيوني في البلدان التي تسمح بذلك، رافق ذلك سيل من المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة لنضالات الشعب الفلسطيني، الأمر الذي سبب انزواءً مذلًا للجيوش الإلكترونية التابعة لدول التطبيع، بل أنهم تحولوا إلى مادة للسخرية من قبل الجميع.
https://youtu.be/0ECx3iCJXds
الإعلام الإماراتي يتصدر وحيدًا لمناصرة “الكيان المغتصب”
وفي الوقت الذي حاولت معظم الأنظمة المطبعة، أن تتوارى خلال هذه الفترة وتخفف من لهجتها المساندة لإسرائيل، نظرًا لافتضاح أمر الإجرام الصهيوني على شكل واسع، وتلقى الادانات ليس فقط من العالم العربي والإسلامي، إنما لحق بهم العالم في تلك الإدانات، لكن الإعلام الإماراتي بقي صامدًا ومستمرًا في انتقاده لفصائل المقاومة الفلسطينية، واتهامها بالإرهاب، وإظهار التعاطف مع الكيان الصهيوني، وتصويره بأنه هو من يتعرض للإرهاب الفلسطيني! وبدأ يسوق التبريرات لجرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة وما سواها من مدن فلسطين، زاعمًا إن عمليات القتل التي يقترفها الاحتلال الصهيوني في غزة، ناتجة عن “الخطأ” وليست متعمدة كما هو معروفٌ للجميع.
لا نختلف بأن الإمارات إسرائيل الخليج.
#مقاطعه_الامارات pic.twitter.com/2lANiSpy6c
— تركي الشلهوب (@TurkiShalhoub) May 10, 2021
ويقوم الإعلام الإماراتي بتسويق الادعاءات الصهيونية، وينشر ما يصدره الجيش الصهيوني من تبريرات، على صحافته الرسمية، ففي هذا الشأن، كتبت صحيفة “الإمارات اليوم”، خبرًا بعنوان (الجيش الإسرائيلي يقر بقتل 8 أطفال وامرأتان “بالخطأ”). وذكرت الصحيفة أيضًا، أن “الجيش الإسرائيلي أقر بقتل عائلة فلسطينية من 10 أشخاص بينهم 8 أطفال وامرأتان، عن طريق (القتل الخطأ) في غزة”.
الجيش الإسرائيلي يقر بقتل 8 أطفال وامرأتان "بالخطأ" https://t.co/VMESAGB4rU | #الإمارات_اليوم
— الإمارات اليوم (@emaratalyoum) May 15, 2021
وإمعانًا في حملة التبريرات التي يقوم بها الإعلام الإماراتي بهدف غسل يد الإسرائيليين من دماء الفلسطينيين، ذكر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إن مستخدمي تويتر في الإمارات يقومون -بدعم ضمني من الدولة- بتحريف واختيار وإعادة صياغة الحقائق لخدمة “إسرائيل” على حساب الفلسطينيين. وأضاف الموقع، إن الدعم الإماراتي لعنف الشرطة الإسرائيلية المفرط ضد المتظاهرين الفلسطينيين، لم يكن حديث العهد، إنما أظهرت الإمارات تآزرا أيديولوجيًا مع المواقف الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، حتى قبل اتفاقيات ما يسمى “أبراهام”، وأشارت الصحيفة، أن المحللين السياسيين، توقعوا أن تستمر أبوظبي في غض الطرف عن معاناة الفلسطينيين، لكن المفاجأة، أن الإماراتيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك وقاموا بتبني الدعاية الصهيونية ضد الفلسطينيين بالكامل.
وقامت السلطات الإماراتية، بإطلاق العنان لأفضل ظاهرة صوتية لديها، وهو وسيم يوسف، ليفكوا وثاق لسانه حتى يقدح به المقاومين الفلسطينيين ويتشفى بهم، ناسيًا أصله الفلسطيني ومتمسكًا بمواقف من هو يمسك بلجامه من أمراء أبوظبي الذين منحوه جنسيتهم. فهو لم يكتفي بالهجوم على حركة حماس محملًا إياها مسؤولية هجوم جيش الاحتلال على غزة، بل أنه هاجم عموم الفلسطينيين، طاعنًا بوطنيتهم وعروبتهم، مما جعل جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن احتفائه بتصريحاته وينشرها عبر وسائل إعلامه. فقد اعتبر وسيم يوسف، أن حماس هي المسؤولة عن الأحداث الأخيرة، حينما قال: “تطلق حماس صواريخ بين مساكن ومنازل الناس، وحينما يأتي الرد تتباكى حماس وتصرخ أين العرب، أين المسلمون”. وأضاف في تغريدته: “جعلتم غزة مقبرة للأبرياء والأطفال، أذيتم مصر وسيناء، أحرقتم أعلام أغلب الدول العربية، شتمتم جميع الدول، لم تحترموا أحدا، لم ترحموا طفلا ولا شيخا في غزة، الإخوان المسلمون وباء”.
وسيم يوسف يهاجم حماس : جعلتم غزة مقبرة للأبرياء والأطفال.. و أفيخاي أدرعي يتفاعل معه : إنها صرخة حق ! pic.twitter.com/TvkDqkw3Gw
— مشاهير و خرابيط (@_jiif) May 14, 2021
بالمقابل، كشف التعاطف الشعبي الخليجي مع نضال الشعب الفلسطيني، حجم الهوة بين الشعب وصنّاع القرار في تلك الدول، خصوصاً في دول التطبيع، فمع أول مشهد للتهجير بحقّ الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، تصاعدت الحملات الشعبية على التواصل الاجتماعي في دول الخليج، وخرجت التظاهرات المساندة والمتضامنة مع الفلسطينيين والمنددة بالجرائم الإسرائيلية في الكويت والبحرين، مما يؤشر على أن فلسطين كانت ولا تزال، هي القضية الأولى في وجدان الشعوب العربية، وأن محاولات تغيب الوعي العربي والخليجي باءت بالفشل.
وسم #سعوديون_مع_الأقصى يتربع على عرش الترند في السعودية ليثبت أن الشعب السعودي بكامله ينتمي لهذه القضية العادلة..
✌🏽 pic.twitter.com/JJV6cbbZaU— عبدالله العودة (@aalodah) May 12, 2021
الإمارات تحتفل بيوم استقلال “إسرائيل” والذي هو يوم النكبة عند الفلسطينيين
وفي الوقت الذي كان رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” إسماعيل هنية، يلقي كلمة له بعد قصف المقاومة لمدن فلسطين المحتلة، اختارت قنوات إماراتية على رأسها “سكاي نيوز عربية”، و”العربية” تخصيص شاشتها لنقل كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي يهدد بها الفلسطينيين، ثمّ كلمة لرئيس أركان جيش الاحتلال، ووزير دفاع الاحتلال، وفتح الهواء لتوجيه التهديدات الصهيونية المباشرة للفلسطينيين. هذا التعامل مع العدوان، تكرّر على صفحات صحفٍ ومواقع عربية أخرى، تجاهلت بشكل كبير المواجهات التي تحدث في القدس ثم العدوان على غزة، مثل مواقع “العين”، و”الإمارات اليوم، بالتوازي مع حملات إلكترونية من بعض الحسابات المحسوبة على الدول المطبعة مع الاحتلال، تهاجم الفلسطينيين، أو تعبّر عن عدم تعاطفها مع ما يحصل سواء في غزة أو القدس المحتلة.
وقامت الصحف الإماراتية والسعودية بتجاهل تغطية ما يحدث في فلسطين من هجمة شرسة تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتضمن صفحاتها الأولى أي خبر أو تلميح عليها، ولم ترد أي تصريح رسمي أو شعبي عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. لكن بالمقابل، قامت هذه الصحف ذاتها، بالاحتفال بالعيد الوطني لإسرائيل قبل أسابيع قليلة، والتي هي نفس ذكرى احتلال فلسطين وإعلان دولة اسرائيل.
#مقاطعه_الإمارات
الإمارات في قمة الخيانة تهني إسرائيل بيوم احتلال ارض فلسطين pic.twitter.com/6QKw6Lmo98— حسين الموسوي 🇮🇶 (@o5oas) May 13, 2021
الإحراج الذي وقعت به الإمارات ودول التطبيع
الأحداث التي تدور في فلسطين المحتلة، بدت ثقيلة على شركاء “إسرائيل” الجدد في الخليج، وكذلك على الشركاء المتوقعين في المستقبل. فالسلام الذي بشّرت به اتفاقيات التطبيع، أصطدم بعنجهية الاحتلال وما يقوم به من تهجير وتشريد وقتل للفلسطينيين، ووجدت تلك الدول نفسها مجبرة على التعاطي والتعامل مع الحدث وتسجيل موقفٍ لرفع العتب عنها. الأمر الذي جعل ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، يعرب عن “قلقه” إزاء أحداث العنف التي تشهدها القدس المحتلة، فيما أعربت الخارجية البحرينية عن استنكارها لاعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى. لكن يبقى السؤال، هل تعيد هذه الدول حساباتها وتتراجع عن اتفاقيات التطبيع؟ والجواب الأكثر قربًا من الحقيقة، إن هذه الأنظمة ليس واردًا في حساباتها سحب ورقة التطبيع.
وفي السياق، وجدت الجيوش الإلكترونية السعودية نفسها هي الأخرى، عاجزة عن التحكم بوسائل التواصل الاجتماعي، بسبب كثافة مشاركة السعوديين المتضامنين مع فلسطين، والتي طغت على حملة تلك الجيوش للاحتفال بالذكرى الرابعة لبيعة محمد بن سلمان وليا للعهد. فيما كانت للمعارضة السعودية، والتي تزداد تنظيما وثقة، دورًا لرموزها في دعوة السعوديين إلى انتفاضة تؤازر الفلسطينيين.
لقد فشلت الجيوش الإلكترونية التابعة لأبن سلمان في تصديها لتغريدات المواطنين السعوديين المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، رغم التشديدات الأمنية على ما يُغرَّد في المملكة، في الوقت الذي أعتمد الذباب الإلكتروني على استخدام السباب والشتائم للشعب الفلسطيني، إلا أن لم يستطيع وقف التغريدات المساندة لشعب فلسطين، ووصل عددها إلى أكثر من 200 ألف تغريدة سعوديّة وعربيّة مُتعاطفة مع ما يجري في فلسطين، وضد الهجمة العُدوانيّة عليهم، بينما لم تصل تغريدات المحسوبين على بن سلمان إلى أكثر من 21 ألف تغريدة فقط. ووجدت المملكة السعودية نفسها مضطرة بعد كل ذلك، لإدانة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين على لسان وزير خارجيتها، الأمير فيصل بن فرحان.
نأت جريدة #الشرق_الأوسط عن عبارة "العدوان الإسرائيلي الوحشي"، فهي لا تؤمن أصلاً أن ما يقوم به الصهاينة عدوان، فضلاً عن وصفه بـ"الوحشي"، ولهذا وضعت العبارة بين مزدوجين.
قارن باستخدامها كلمة "العدوان" في سياقات أخرى.#سعوديون_مع_فلسطين#غزة_تقاوم #غزة_الآن#حماس#حماس_منا_ونحن_منها pic.twitter.com/pH9danPJki— أحمد بن راشد بن سعيّد (@LoveLiberty_2) May 17, 2021
الإمارات تستخدم المال لنصرة “إسرائيل”
بعد فشل جهود الإمارات الإعلامية والدبلوماسية لتحقيق الانتصار الإسرائيلي على فصائل المقاومة الفلسطينية، بدأت تلعب في ورقة أخرى مع المقاومين، ففي هذا الصدد، قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إن الإمارات كانت لديها مجموعة من مشاريع البنى التحتية في المناطق الفلسطينية ومنها غزة، وفي ظل التصعيد الأخير بين فصائل المقاومة والجيش الإسرائيلي، حذَّر مسؤول إماراتي حماس، بإيقاف مشاريع البنى التحتية ما لم تلتزم بالهدوء.
بالمقابل، أفادت مركز نورس للدراسات، بأن جريدة “غلوبس” الإسرائيلية، نشرت على صفحاتها، بأن “الإمارات عرضت على حركة حماس، تقديم أموال إلى غزة نظير موافقتها على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل”. الأمر الذي يؤشر على أمرين، وهي أن الإمارات بدأت تتعامل مع هذا الملف الفلسطيني على أنها معنية به أكثر من إسرائيل، وتحاول قيادة المفاوضات مع المقاومين الفلسطينيين واستعمال شتى وسائل الضغط لتحمي “إسرائيل” من هجماتها، والأمر الثاني، أنها بدأت تعترف بشكل ضمني بأن فصائل المقاومة الفلسطينية رقمًا صعبًا لا يمكن أن تتجاوزه مستقبلًا في معادلة التوازن العسكري.
https://twitter.com/emirates_leaks/status/1394034680043814912?s=20