تقارير

ما دلالات رفض المجلس الانتقالي لقرارات الرئيس هادي وتشكيل مليشيا جديدة؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لم يكن أمر رفض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا لقرارات الرئيس هادي بتعيين بعض الشخصيات في مناصب حكومية، غريبًا على مسامع المتابعين للمشهد اليمني، بل أن الغريب هو ما كان من أمره بالموافقة على اتفاق الرياض، وتشكيل حكومة يمنية مشتركة.

وعلى ما يبدو أن الهدف من موافقة المجلس الانتقالي على اتفاق الرياض والمشاركة بالحكومة اليمنية، هو بهدف اكتساب الشرعية السياسية التي تُمكنه من التكلم باسم شعب جنوب اليمن، بنفس الأسلوب الذي فعلته من قبل جماعة الحوثي التي اكتسبت الشرعية السياسية من الحكومة اليمنية، ثم قادت انقلابًا عليها، فالرفض الذي قام به المجلس الانتقالي لقرارات الرئاسة، هو تكرار للسيناريو الحوثي، حتى يتمكنوا الاستقلال بجنوب اليمن، كما فعل الحوثي الذي يسيطر الأن على مساحات شاسعة من شمال اليمن وبقوة السلاح.

فرض الوصاية على الرئيس هادي وقراراته

ويعتقد الكثير من المراقبين، أن رفض المجلس الانتقالي لقرارات الرئاسة بتعيين أحمد صالح الموساي نائباً عاماً للبلاد، وأحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى، لم يكن نابعًا من اعتراض المجلس على هذه الشخصيات، بقدر ما هي محاولة لفرض الوصاية على قرارات الرئيس وتجريده من حقوقه الدستورية، وأنه لا يستطيع أن يُبرم أمرًا دون الرجوع إليهم، أما إذا لم ينجحوا في هذا الأمر، فأنَّ اعتراضهم سيزيد مشاكل الطرفين، وستكون حجة مناسبة ليتنصل المجلس الانتقالي من اتفاق الرياض ومخرجاته التي لم يُنفذ المجلس منها أي بندًا منها إلا ما توافق منه مع مصالحهِ ومصالح الإمارات، وبالأخص تنصلهُ عن تنفيذ الشق العسكري والأمني من الاتفاق، والذي تضمّن فصل وخروج القوات في أبين، وخروجها من عدن، بالإضافة إلى دمج مليشيا المجلس الانتقالي في الجيش والأمن التابعين للحكومة وجعلهما تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.

ومن الحجج التي ساقها المجلس الانتقالي في رفضهِ لقرارات الرئاسة، إنها لم تُتخذ بعد مشاورة الانتقالي، ووصفها بإنها خروجًا وانقلابًا على مضامين اتفاق الرياض -حسب وصفه-. ولأجل ذلك فأن الانتقالي لا يمكنه التعاطي معها -بمعنى رفضها وعدم الامتثال لمضامينها- بل ذهب المجلس إلى أبعد من ذلك، حينما ألمح باعتزامه إلى عدم السماح بعودة الموساي وبن دغر إلى عدن، ردًا على قرار تعينهما بمناصبهما.

وهذا يعني بعُرف كل دول العالم، بأنه تمرد عسكري تقوم به جماعة متمردة على السلطة الشرعية، ويصل تفسيرها إلى حد الانقلاب على السلطة الشرعية الحاكمة للبلد، وبالتالي فأن المفترض على السلطة الشرعية، أن تتعامل مع هذا الحدث، كتمرد مسلح، ويجب رفع غطاء الشرعية عن عمل المجلس السياسي والعسكري، والتعامل معها كمجموعة متمردة.

وبالرغم من أن اتفاق اليمن لا ينص على أي تشاور مسبق يجب أن تقوم به الرئاسة اليمنية للمجلس الانتقالي، إلَّا بشأن تشكيل الحكومة، في هذا الشأن، يرى مسؤولون يمنيون إن المجلس يحاول ممارسة الابتزاز للرئاسة والحكومة، للحصول على مزيد من المناصب، لكن من دون تنفيذ الشقين العسكري والأمني من الاتفاق، للتملص منه، فالاتفاق الذي أبرم في الرياض، كان يهدف بحسب القائمين عليه، إلى حل المشاكل القائمة بين السلطة والمجلس الانتقالي، والتفرغ لمواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، لكن الذي حصل، أن المجلس الانتقالي الذي ضمِن لنفسه مشاركة فاعلة في الحكومة واعتراف رسمي بشرعية عمله السياسي، بعد أن كان مجرد مليشيا خارج عن القانون، لم يؤدي الالتزامات العسكرية والأمنية المترتبة عليه وفق اتفاق الرياض.

الرئيس هادي يمضي قدمًا بقراراته رغم رفض المجلس الانتقالي

الرئيس هادي المغلوب على أمره، أظهر بعض الشجاعة وقام بتجاهل رفض المجلس الانتقالي لقراراته، وقام بتمكين أحمد عبيد بن دغر ونائباه عبد الله أبو الغيث ووحي أمان، من الحضور أمامه ليؤدوا اليمين الدستوري، في مقر إقامته في الرياض، والمرجح حسب رأي بعض المراقبين، أن مَرَدَ هذه الشجاعة التي أبداها الرئيس هادي، هي بسبب الموقف السعودي الرافض لموقف المجلس الانتقالي هذه المرة، ففي أول رد فعلٍ سعودي، على تهديدات المجلس الانتقالي بالتصعيد، ورفضه لقرارات الرئيس هادي، كتب رئيس لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية – الأمريكية، “سلمان الانصاري” في تغريدة له على تويتر: “إن المجلس الانتقالي الذي سمحت الحكومة اليمنية الشرعية بتصنيفه كمكون سياسي بدلا من ميليشيا تمرديه وانفصاليه لغة غير دبلوماسية في بيانه الرسمي؛ وفيه لغة (تهديدية) ووقاحة موجهة لرعاة ‎اتفاق الرياض.” وتابع، “الاختلاف في الرأي ليست المشكلة، سوء أسلوب معالجتها هي المشكلة”.

ويعتقد بعض المراقبين، إن الموقف السعودي غير المألوف هذا، ربما يرجع إلى البرود الذي يكتنف العلاقة الإماراتية السعودية حاليًا، بعد مصالحة السعودية لقطر، مما أنعكس هذا البرود على الأطراف المدعومة من الإمارات في اليمن.

المجلس الانتقالي يُنشأ قوة جديدة خارجة عن القانون

وفي تطور جديد لسير الأحداث، رد المجلس الانتقالي على خطوة الرئيس هادي، بتصعيد أمني أخر خطير، وقام بإنشاء قوة مليشياوية جديدة تسمى قوات “حزام طوق عدن”، إمعانًا منه بعدم تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، فبدلًا من أن يسحب مليشياته من العاصمة المؤقتة عدن، قام بأنشاء هذه المليشيا الجديدة، لتعقيد الموقف الأمني أكثر وأكثر، وإيجاد البنية التحتية العسكرية لإعلان انفصال الجنوب عن باقي الدولة اليمنية.

لم يكتفي قادة المجلس الانتقالي بذلك، بل أنهم قاموا -وفق ما أعلنوا- بإجراء اتصالات متبادلة بين عدن والرياض وأبوظبي، التي يتواجد فيها قادة المجلس الانتقالي الرئيسيين، للتباحث في اتخاذ خطوات جديدة، من بينها تعليق مشاركة المجلس في مشاورات الملحق العسكري لاتفاق الرياض، وإعادة تجديد إعلان الإدارة الذاتية. في الوقت الذي جدد عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس، في تصريح لقناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، تمسكه بانفصال جنوب اليمن، وقال: “لا استقرار في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي دون حل الدولتين”، على حد تعبيره.

ويُعد الشق الأمني والعسكري الذي يرفض المجلس الانتقالي تنفيذه، أهم ما موجود في اتفاق الرياض، وهو من يحدد نجاح الاتفاق من فشله، في الوقت الذي يضيف المجلس الانتقالي تأكيدات إضافية بأنه ماضٍ في إجراءاته الأحادية وإنشاء مليشيات جديدة تفاقم الوضع الأمني في الجنوب.

ما موقف المملكة مما يجري؟

يبقى الموقف السعودي حتى الأن، اقل مما يتوجب عليها أن تفعله لمساندة الشرعية، ورغم الخلافات الإماراتية السعودية، إلا أن هذا لم يُترجم على الأرض من خلال مساندة الشرعية والضغط على المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا لتنفيذ بنود الاتفاق. ويذهب البعض، إلى أن الرياض إذا لم تتخذ خطوة مناسبة إزاء ما يقوم به الانتقالي، فإن من شأن ذلك، أن يعمق مشكلة الحكومة اليمنية مع باقي الأطياف داخل البلاد، وسيجعل السعودية، أمام اتهام واضح بأنها تحابي الانتقالي المتمرد والمدعوم من أبوظبي.

وهذا التراخي من قبل الجانب السعودي، سوف يشجع اطراف أخرى في الطعن بقرارات الشرعية اليمنية، وهذا بالفعل ما حصل حينما أعلن مكونان يمنيان آخران، هما الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب التنظيم الوحدوي الناصري، رفضهما قرارات الرئيس هادي واعتبراها خرقا للدستور وانقلابا على مبدأ التوافق والشراكة الوطنية ومرجعيات المرحلة الانتقالية -كما يدعيان-.

فيما أعتبر مراقبون، إن رفض الانتقالي لقرارات الشرعية، بأنها محاولة لفرض الوصاية والهيمنة على قراراتها في البلد، والاستحواذ على مفاصل الدولة، عبر دفع بمؤيديه لتولي مناصب حساسة في الدولة السمنية واحتكارها، وبالتالي احتكار القرار اليمني من قبل الإمارات، وهذا الأمر سيحد من نفوذ السعودية كثيرًا رغم ما تكبدته المملكة في اليمن.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى