التطبيع الاماراتي مع الكيان الصهيوني .. زواجٌ سري ينتقل إلى العلن

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث
انتهت خطوات التطبيع التي كانت تجري في السر بين الإمارات و”إسرائيل” على استحياء، ليتم الإعلان عنها صراحة ودون حياء، وكأنها قصة غرام ممنوعة ارتكبت فيها كل المحرمات سرًا، ليتم تتويجها بعد ذلك علنًا بزواج مدني وفقًا لشريعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عراب التطبيع بالمنطقة.
لم يكن مفاجئًا الإعلان عن هذا التطبيع الرسمي بين دولة الإمارات وبين الكيان الصهيوني، ذلك لأنه قد سبقته خطوات تطبيعيه عديدة ومهمة، ولم يبقى سوى الإعلان عنها بشكل رسمي، ليتم بعدها تبادل السفراء بين عاصمتي هذا البلد العربي وعاصمة الكيان الصهيوني. لكن تبقى هناك مشكلة واحدة عالقة يجب التفاهم عليها لاحقًا كما صرح بذلك جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب حينما قال، لا نعلم أين سيكون موقع السفارة الإماراتية في “إسرائيل”، هل سيكون في القدس أم في تل أبيب، ثم أردف قائلًا، هذه ليست مشكلة، سيتفقون عليها لاحقًا.
#جاريد_كوشنر يقول إن موقع السفارة الإماراتية سيكون إما في #القدس أو #تل_أبيب حسب اتفاق #الامارات و #إسرائيل . #اتفاق_ابراهام pic.twitter.com/RcJtzmWWt3
— وسيلة عولمي (@wassilaoulmi) August 13, 2020
وبذلك تكون الإمارات، الدولة العربية الثالثة التي توقع اتفاق سلام مع “إسرائيل” بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994.
تاريخ من التطبيع أزداد كثافة في السنوات الأخيرة
كان للعلاقة التي تربط أمراء دولة الإمارات مع “إسرائيل”، تاريخ حافل من التعاون الأمني والعسكري السري، وتعاونٌ تطبيعيٌ على مستويات الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية. وكانت هناك زيارات متبادلة لمسؤولي الطرفين وعلى مستويات عديدة، منها ما هو رفيع ومنها ما هو على مستوى عادي. وكثيرًا ما كانت الطموحات السياسية للطرفين في المنطقة يلتقيان جيوسياسيًا، بل أن الإمارات كانت لها خطوات عديدة خدمت بها الكيان الصهيوني على مستوى تشجيع الدول أو الجهات، لإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، أو إنها تجرأت على فعل ما لا تستطيع فعله “إسرائيل” بنفسها. مثال ذلك، محاولة إقامة علاقة بين وكلائها في اليمن المتمثل بالمجلس الانتقالي وبين الكيان الصهيوني، نفس الحال سعت الإمارات لإقامة مثل هذه العلاقة بين حفتر والكيان الصهيوني ووفرت لحفتر دعمًا إسرائيليًا، وسبق ذلك كله دعمها للانفصالين الاكراد في العراق وتشجيعهم على إقامة علاقة صريحة مع الكيان الصهيوني. هذا ما نشره موقع إنتليجينس أونلاين (Intelligence Online) من أن الإمارات تحث الحركات التي تدعمها على تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”، وأن المصالح الاقتصادية والأمنية وراء هذا التقارب.
https://twitter.com/WilliamRea0i/status/1286021933755248641?s=20
أما في ما يخص خطوات تطبيعها مع “إسرائيل” فقد افتتحت الإمارات خطًا جويًا مباشرًا بينها وبين مطار بن غوريون، حينما أقدم النظام الحاكم في دولة الإمارات على تكريس التطبيع العلني مع “إسرائيل” عبر السماح برحلات جوية مباشرة بين الجانبين في 22 يوليو 2020، وقد رصدت مواقع تعقب الطائرات، مغادرة طائرة خاصة مطار تل أبيب، وهبوطها بشكل مباشر في مطار أبو ظبي، دون التوقف في مطار آخر كما جرت العادة في الرحلات السابقة بين الإمارات و”إسرائيل”. وشاركت الإمارات، في اذار/ مارس عام 2017، في تدريب عسكري مشترك في اليونان مع القوات الجوية اليونانية والأمريكية والإيطالية والإسرائيلية. يذكر أن أول زيارة لمسؤول إسرائيلي للإمارات كانت في عام 2003، عندما شارك الوزير الإسرائيلي مئير شطريت إلى جانب محافظ بنك “إسرائيل” يوسي كلاين، في مؤتمر صندوق النقد الدولي في الإمارات، لتتبعها بعد ذلك مشاركات أخرى علنية وزيارات أكثر كثافة.
وفي التطبيع الرياضي، علَّقت الإمارات رفضها على مشاركة رياضيين إسرائيليين في مباريات وأنشطة رياضية دولية وقبلت بمشاركة الرياضية الإسرائيلية شاحر بئير مع وفد رسمي إسرائيلي، في دورة دبي للتنس في فبراير 2010، وتبع ذلك القبول بمشاركة فريق جودو إسرائيلي وعزف نشيد “إسرائيل” ورفع علمها في بطولة “غراند سلام” في أبوظبي في أكتوبر 2018.
وفي العام 2010، شارك الوزير الإسرائيلي عوزي لانداو في مؤتمر الطاقة المتجددة في أبوظبي. وشهد الجانبان تعاونًا أمنيًا أثمر عن عقد صفقات عسكرية مختلفة، حيث عقد الجانبان صفقة في عام 2008 بمئات ملايين الدولارات مع شركة ATG المسجلة في سويسرا كشركة دولية ويملكها الإسرائيلي ماطي كوخافي، والذي جنّد عشرات الجنود ورجال الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للعمل فيها من الموساد والشاباك، كان من بينهم قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق إيتان بن إلياهو ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق غيورا أيلاند. وشارك طيارين من سلاح الجو الإماراتي في العامين الأخيرين، في مناورات عسكرية مشتركة إلى جانب ضباط وطيارين من “إسرائيل”، وتحديداً في المناورات العسكرية الأميركية المتعددة الجنسيات، وفي عام 2015، شهد افتتاح مقر للبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في دبي. وفي عام 2018 دُعيت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميريت ريغيف لزيارة مسجد الشيخ زايد في أبوظبي. وكذلك زيارة وزير خارجية “إسرائيل” يسرائيل كاتس في يونيو/حزيران 2019. ناهيك عن اللقاءات التي جمعت دبلوماسي الطرفين في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية.
لكن فترة اندلاع الثورات العربية واصطفاف أبوظبي ضدها، شهدت تقاربًا إسرائيلياً-إماراتياً علنياً بحجة مواجهة الأخطار المهددة للطرفين، وعلى رأسها إيران والإخوان المسلمون. حتى بلغ الأمر إلى أن قام السفير الإماراتي يوسف العتيبة بنشر مقالة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحت ستار رفض ضم “إسرائيل” أجزاء من الضفة الغربية، تحت عنوان إما الضم أو التطبيع، للتمهيد لخطوة التطبيع التي حصلت مؤخرًا.
حجة المطبعين هو التصدي لإيران، والحفاظ على المصالح الفلسطينية
وتتذرع الإمارات بأنها تواجه خطرا إيرانيا، وأنها بحاجة إلى تحالف قوي مع “إسرائيل” لردع هذا الخطر، لكن الغريب بالأمر، أن العلاقات الإيرانية الإماراتية هي علاقات طبيعية وتشهد تحسنًا متزايدًا، ومعها يزداد حجم التجارة بينهما، كما أن الإمارات لم تتخذ أي خطوات عملية لتحرير جزرها الثلاث المحتلة من إيران، وكأنها تبدو مقتنعة بشرعية احتلال إيران لهذه الجزر.
كما يسوق حكام الامارات خطوتهم بالتطبيع مع “إسرائيل”، بأنها لم تكن بدون مقابل إسرائيلي بالتنازل، وذكروا بأن “إسرائيل” علَّقت ضمها لإراضي فلسطينية مقابل التطبيع مع الإمارات، لكن نتنياهو لم تمضي ساعتين على هذا إعلان هذا التطبيع “التاريخي”، حتى أعلن بأن “إسرائيل” لا يمكنها أن تتنازل عن أراضي “يهودا والسامرا” ويقصد بهما الضفة الغربية وقطاع غزة، وأضاف، إنه استجاب فقط لطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بـ”تأجيل” الضم لوقت أخر.
من سيكون المطبع التالي؟
وبالنظر لعمق العلاقة الإماراتية السعودية، فأن من المراقبين يتوقعون أن تكون الدولة الخليجية التالية في التطبيع، هي السعودية. لكن فيما يبدو، إن السعودية بقيادة ولي العهد بن سلمان، ورغم حرصها على إقامة مثل هذه العلاقة مع إسرائيل، إلا إنها ربما تفضل أن تبقى على سياستها التقليدية تجاه “إسرائيل”، مكتفية بالرسائل السرية بينها وبين الكيان الصهيوني، هذا إذا ما استثنينا زيارات أنور عشقي لإسرائيل، وحوارات الأمير بندر بن سلطان مع مسؤولين إسرائيليين، ذلك لأن التطبيع العلني السعودي مع “إسرائيل” ربما سيجعل السعودية تخسر تأثيرها الإسلامي، وهذا ما لا تريده الإدارة الأمريكية حاليًا.
بالمقابل، يأتي كلام وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، ليوضح بشكل لا يقبل الشك على أن السعودية على علم بالخطوة الإماراتية التطبيعية، ولديها موافقة ومباركة عليها حينما قال، بأننا “ليس لدينا أي مشروع مستقل إقليميًا، وأهدافنا تتمحور حول إحلال السلام والاستقرار بالاشتراك مع السعودية ومصر”.
عاجل| وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: ليس لدينا أي مشروع مستقل إقليميًا، وأهدافنا تتمحور حول إحلال السلام والاستقرار بالاشتراك مع السعودية ومصر
— العين الإخبارية – عاجل (@AlainBRK) August 13, 2020
إن الثنائي بن زايد وبن سلمان، يعتقدان بشكل جازم، أن بقاء نظاميهما مرهون بواشنطن، لكن بعد المرور بالرضا الإسرائيلي. ومن هذه المعطيات، نعتقد أن الدولة التي يمكن أن تكون التالية في التطبيع مع إسرائيل، هي البحرين، ذلك لأنها لا تتعرض للحرج الذي تتعرض له السعودية، وظروفها الحالية وارتهان إرادتها إلى الامارات والسعودية، سيدفعها لاتخاذ مثل هذه الخطوة سريعًا بعد الإمارات.
من سيكون المستفيد الأول من هذا التطبيع؟
من الغريب القول، بأن إيران ربما تكون من اكثر الدول المستفيدة من هذا التطبيع الإماراتي الجديد، ذلك لأن سيكون مصداقًا لشعوب المنطقة بأن المحور الذي يناصبها العداء ويضم بالإضافة إلى الإمارات كل من السعودية و البحرين ومصر، ما هم إلا أعوان للمحتل الإسرائيلي وضد تطلعات شعوب المنطقة، ويمكنها بذلك أن تسوَّق إيران باطلها المتمثل بنشر الفوضى بالمنطقة، على إنها هي الدولة التي تقود محور المقاومة ضد العدو الصهيوني. وربما سوف تنطلي هذه الخدعة الإيرانية على كثير من أبناء شعوبنا العربية والإسلامية، بسبب هذه الهرولة العربية للتطبيع مع العدو الأول لشعوب المنطقة.