تقارير

ماذا يعني الاستدعاء القضائي لمحمد بن سلمان من قبل محكمة أمريكية

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في تطور خطير يتعلق بقضية الجبري المقدمة للمحاكم الأمريكية، استدعت محكمة واشنطن الفدرالية، ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” من ضمن ثلاثة عشر مسؤولًا سعوديًا للمثول أمامها، لاستكمال التحقيقات في الدعوة التي اتهم بها سعد الجبري الضابط السابق في المخابرات السعودية لمحمد بن سلمان وفريقه الإغتيالي، بتدبير محاولة لقتلة بطريقة مشابهة لقتل الصحفي جمال خاشقجي، أو اختطافه وإرجاعه قسرًا إلى السعودية. ويطالب الجبري في قضيته المرفوعة للمحاكم الأمريكية، بتعويضات مالية من ولي العهد السعودي وباقي المتهمين معه، ‏وبالتالي فأن القضية المرفوعة امام القضاء الأمريكي، تعتبر قضية مدنية وليست جنائية. لكن الاستجابة السريعة من المحكمة لدعوة الجبري وإصدار أمر باستدعاء المتهمين للدفاع ‏عن انفسهم، يدل على أهمية القضية وأن المحكمة تأخذها بالجدية الكافية.‏

ووفق البيانات التي صدرت من الحكمة، فإنها قد استدعت بالإضافة إلى محمد بن سلمان، ‏كل من “بدر العساكر” مدير مكتب “محمد بن سلمان”، ونائب مدير الاستخبارات السابق ‏‏”أحمد عسيري”، والمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي “سعود القحطاني” ‏المقربين من محمد بن سلمان، بالإضافة إلى مقيمين في الولايات المتحدة هما يوسف ‏الراجحي وليلى أبو الجدايل. وجميعهم من المتهمين باغتيال خاشقجي ‏وتمت تبرئتهم من ‏جانب محكمة سعودية.‎

ما هي خلفية قضية الجبري؟

سعد الجبري الذي كان ضابطًا في الاستخبارات السعودية، وعملَ مستشارًا لولي العهد ووزير الداخلية السابق “محمد بن نايف”، هرب من السعودية خشية تصفيته على يد ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، لكن الأخير بقيَ يمارس ضده تهديدات وضغوط كي يعود للسعودية والاستحواذ على الوثائق السرية التي بحوزته، والتي يعتقد انها تحمل كثيرًا من الاسرار ضد الملك سلمان وأبنه، أو أن فيها بعض الاسرار التي يمكن لابن سلمان استغلالها ضد خصمة الأمير محمد بن نايف.

وقبل أيام رفع الجبري دعوى قضائية في واشنطن، ضد “بن سلمان”، متهمًا له بإرسال فريقا لاغتياله في كندا، سبقتها عمليات زرع لبرامج تجسس على هاتفه لملاحقته. يُذكر أن الاعلام الكندي كان قد أفاد بأن بن سلمان تقفى أثر الجبري، في الولايات المتحدة أيضًا لاغتياله. وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” فأن السلطات السعودية استخدمت أساليب عديدة لإغراء الجبري بالسفر إلى تركيا، والقضاء عليه هناك، عبر استغلال شريك سابق له لإقناعه بالسفر إلى تركيا، للقضاء عليه بطريقة مشابه لعملية القضاء جمال خاشقجي.

استند الجبري في بناء قضيته المقدمة للمحكمة الأمريكية في واشنطن، على قانونين أمريكيين، هما قانون حماية ضحايا التعذيب، الذي يحظر القتل خارج نطاق القانون، وقانون الأجانب، الذي يسمح لضحايا مثل هذه العمليات غير القانونية برفع دعوى للمحاكم الأمريكية. كما استند الجبري في قضيته، الى أن مسؤولين اميركيين كبار يعلمون بتفاصيل محاولة اغتياله.‏

تأتي هذه التطورات في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة ” ذا كلوبل أند ميل” الكندية، أن ‏السلطات الأمنية الكندية قد شددت حراساتها على سعد الجبري، بعد الكشف عن ‏محاولة جديدة لاغتياله على يد عملاء تابعين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهو ‏ما يدل على إصرار بن سلمان على التخلص من الجبري لعظم الاسرار التي يحملها ضده. ‏من جانبها، السلطات الكندية أخذت هذا التطور على محمل الجد، لاعتباره تهديدًا للأمن ‏القومي الكندي.

لماذا الجبري أقام دعوة مدنية ولم يقدم دعوة جنائية؟

من المرجح أن سعد الجبري وبنصيحة من شركة المحاماة التي استأجرها، قام رفع دعوة مدنية وليس دعوة جنائية ضد بن سلمان وفريق الاغتيالات التابع له، لكي لا يضع الإدارة الأمريكية في حرج كبير ربما تضطر بعدها لتقديم الحصانة لولي العهد السعودي، لأن الدعوة الجنائية سوف تستوجب اصدار أمر من المحكمة بإلقاء القبض على بن سلمان وفرقة الاغتيالات التابعة له، وهذا الأمر سوف يجعل العلاقة السعودية الأمريكية في اسوء حالاتها. وهو ما لا يحبذه الرئيس الأمريكي الذي طالما دعم بن سلمان والنظام السعوي بشكل عام، بينما الدعوة المدنية لا تستدعي اصدار امرًا بإلقاء القبض على المتهمين، إنما استدعاء لهم بالمثول أمام المحكمة شخصيًا أو بحضور من يمثلهم من شركات المحاماة. وفي حال أصرَّ بن سلمان واتباعه بعدم الحضور أو عدم ارسال من يمثلهم للقضاء الأمريكي خلال مدة الـ21 الممنوحة لهم، فأن القضاء سيحكم عليهم غيابيًا والحجز على أموالهم في الولايات المتحدة لأخذ التعويضات منها. وفي هذه الحالة فأن الإدارة الامريكية لها مخرج بعدم منحة الحصانة له باعتبارها دعوة مدنية ليس فيها ما يحرج الإدارة الأمريكية.

يُذكر أن موقف الخارجية الأميركية من قضية سعد الجبري، كان واضحًا حينما تضامنت ‏مع الجبري وثمنت جهوده، ووصفته بالشريك الموثوق فيه للإدارة الأمريكية، كما تواصلت وزارة الخارجية مع السلطات ‏السعودية مطالبة بالإفراج الفوري عن أطفال ‏الجبري.‏ وبالتالي فأن ‏قضية الحصانة التي يراهن عليها بن سلمان، ربما تكون غير ذي جدوى، ومن المستبعد أن ‏تقوم الإدارة الأمريكية بالتدخل لتوفير الحصانة له في هذه القضية.

وبسبب ظروف الانتخابات التي هي على الأبواب، فإن الديمقراطيين يضعون علاقة ‏الصداقة ‏التي تربط ترامب وصهره جاريد كوشنر مع بن سلمان، تحت الضوء، وكيف ‏أسهمت تلك العلاقة على جعل ولي العهد السعودي يتصرف بدون قلق من المحاسبة، ‏بالأخص بعدما غض ترامب النظر عن جريمة بن سلمان ضد الصحفي المعارض جمال ‏خاشقجي عام 2018، وبالتالي فأن ترامب من الصعب ان يساند بن سلمان في هذه ‏القضية وهو في خضم حملته في الانتخابات الرئاسية. ‏

في هذا الصدد، توقع المساعد السابق للنائب العام الأمريكي “بروس فاين”، بأن “يقوم محمد بن سلمان على الفور، بحملة ضغط مكثفة ‏على الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو، لإصدار خطاب حصانة، يرفع إلى المحكمة، على أساس أنها ستتسبب ضررًا بعلاقات الولايات المتحدة مع ‏دولة أجنبية‎. وأضاف “فاين”، بأن المحكمة ليست ملزمة من الناحية القانونية، العمل بتوصية الرئيس”.

وفي الوقت الذي يتهيأ الرئيس الأمريكي لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، فأن من المستبعد أن يقدم على فعل من شأنه يؤثر على شعبيته ويستغله المرشح الديمقراطي ضده في الانتخابات. وعلى هذا فأن جهود بن سلمان ربما ستكون هواء في شبك.

كيف كان رد الفعل السعودي على امر استدعاء بن سلمان؟

جاء رد الفعل السعودي على لسان الاعلام التابع لها، فقد حاول موقع “ارم” السعودي التقليل من شأن هذا الاستدعاء القضائي، ونقلت عن مستشار مهتم بالشؤون القانونية الأمريكية، بأنه سَخَرَ من تغطية قناة الجزيرة لقضية استدعاء بن سلمان للمحكمة الأمريكية، واعتبر إن هذا الاستدعاء هو أمر روتيني ليس له أهمية. كما واتهم الموقع، سعد الجبري بصرف المليارات من الدولارات لشراء لوبيات ضغط وسياسيين ومحاميين في واشنطن لخلق “زوبعة” وتسيس قضيته، حسب ادعاء الموقع.‎

وزاد الموقع في التقليل من شأن القضية والمراهنة على الحصانة السياسية التي يرجوها النظام السعودي من الرئيس ترامب، بالقول، أن “من الناحية القانونية لا يتوقع أن يكون هناك أثر للقضية في ظل وجود ما يعرف بالحصانة ‏السيادية، وهي عبارة عن مبدأ في القانون العرفي الدولي يحمي الدولة من المسؤولية وتنفيذ الأحكام ‏الصادرة ضدها من قبل دولة أخرى”‎.‎

وفي هذا الشأن لم ينسى الاعلام الإسرائيلي الوقوف مع بن سلمان وإبداء دعمها له، حينما غرد الصهيوني ايدي كوهين المقرب من الخارجية الإسرائيلية قائلا: “محكمة امريكية تصدر قرار بأستدعاء ولي العهد السعودي في قضية سعد الجبري .. واقول لكم الحقيقة لن يستدعى وسوف يزور امريكا بردا و سلاما فلا تفرحوا كثيراً”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى