تقارير

كيف سيكون مصير محمد بن سلمان بعد وفاة أبيه؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

لطالما اختبئ ولي العهد محمد بن سلمان خلف ظهر أبيه، بعد كل حماقة يرتكبها، ويستعين به ليُرقع الخرق الذي يحدثه في نسيج المجتمع السعودي تارة، وفي سياسات المملكة الخارجية تارة أخرى. وفي ظل المخاوف من اقتراب نهاية حياة الملك سلمان، يتبادر سؤالًا مهمًا لكثير من المراقبين للشأن السعودي، كيف سيكون مصير بن سلمان حينما يتفرد بحكم المملكة لوحده بغياب أبيه؟ ومن سيحميه من غضب العائلة المالكة والقبائل المتحالفة مع أل سعود بعد أن أوغل في إهانتهم وجردهم من الكثير من مصالحهم؟ ومن سيخلصه من المأزق السياسي الخارجي الذي وضع نفسه فيه؟ حينما لا يكون هناك ملك من خلفه يقيل عثراته؟ مشاكل جمة وعديدة ورط نفسه بها، كانت في غالبيتها دون هدف محدد، إنما فقط لتأكيد دوره الجديد في المملكة، وبطريقة استعراضية جعلته في مأزق كبير لا يسعه التخلص منه بسهولة أو من دون خيارات صعبة. ‏

محمد بن سلمان نجى من مهالك حقيقية بفضل اختبائه بجلباب أبيه

تلك الأسئلة المذكورة أعلاه، لها ما يبررها حينما نستعرض سيرة بن سلمان طيلة السنوات القليلة التي أُطلقت فيها يده للتصرف بالمملكة كيفما يشاء. خلال تلك الفترة ارتكب بن سلمان حماقات عديدة ترتقي لان تكون مهلكة لأي شخص غيره لا يتمتع بمثل الدعم المطلق الذي يحظى به من أبيه الملك سلمان. مثال ذلك، إقدامه على التلميح ولأكثر من مرة برغبته بالتطبيع مع إسرائيل، وتوجيهه لانتقادات صريحة للجانب الفلسطيني، الأمر الذي واجهته الشعوب العربية باستنكار شديد كاد أن يطيح بسمعة ومكانة المملكة بين الشعوب العربية والإسلامية، ما جعل الملك سلمان يسارع لتدارك الأمر ويحصر موضوع القضية الفلسطينية به شخصيًا ويرفع يد أبنه عن الموضوع، وأعاد تأكيد دعم المملكة للحق الفلسطيني والتمسك بالمبادرة العربية التي اطلقها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، وقام بمساعدة السلطة الفلسطينية بمقدار من المال لإسكات ألسنتهم المنتقدة للسعودية.

المثال الأخر، هو ما قام به الملك من محاولة لمعالجة حماقة اغتيال وتقطيع أوصال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي أضرت بسمعة السعودية دوليًا ضررًا بالغًا، وقامت الحكومة السعودية وبأمر من الملك سلمان بالاعتراف بالجريمة، وقدمت لأجل ذلك كبش فداء من بعض المشاركين فيها لتخليص بن سلمان من المسؤولية المباشرة عنها.

كما حالت مكانة الملك سلمان داخل العائلة المالكة، دون الانقلاب على ابنه، بعدما اوغل محمد بن سلمان في إهانة العديد من أفراد العائلة، بسجن بعظهم وتجريد البعض الأخر من أموالهم، وكذلك إهانة القبائل المساندة للعائلة المالكة، بالإضافة إلى ابعاد الهيئات والمراكز الدينية التي كانت على اتفاق مع عائلة آل سعود بالدعم لها مقابل اطلاق حريتها في الدعوة لمذهب الوهابية في داخل المملكة وخارجها.

لقد اضطر الملك سلمان لحماية ابنه من كل هذه المشاكل التي نتجت عن خططه الداعية للتحرر السريع عن كل ما ألفه المجتمع السعودي، والتي أدت بالنهاية إلى تَفجير ‏صراعًا ثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا، وحتى صراعًا أسريًا وقبليًا. بسبب أن بن سلمان فاته أن يعلم، أن النموذج الغربي الذي كان يريد تطبيقه في المملكة، لا يقتصر على الترفيه والحريات ‏الشخصية التي تصل إلى حد الانفلات، بل أنه يتضمن أيضًا ‏الحريات السياسية للمواطن ومشاركته في إدارة الدولة. فوجد نفسه في تناقض كبير بين ظواهر ‏المجتمع الغربي التي يريد تطبيقها في المملكة، ومطالب الشعب السعودي بمحاسن النموذج ‏الغربي الأخرى المتمثلة بالحرية السياسية وحرية الرأي والانتقاد للمؤسسة السياسية. هذا الأمر جعل بن سلمان أمام مشكلة حقيقة سوف لن يجد أحد يدعمه فيها إذا ما غاب أبيه عنه.

ماذا يمكن أن يحدث لو غاب الملك فجأة؟

وفي ظل هذه المعطيات، وما نعرفه عن دور الملك سلمان في حماية ابنه من المشاكل التي يواجها داخليًا وخارجيًا، يتبادر السؤال، ماذا لو غاب الملك فجأة عن المشهد السياسي كنتيجة لوفاته أو فقدانه للقدرة على الفعل المؤثر نتيجة لكبر سنه، أو حتى نتيجة تغيبه عن التأثير المباشر نتيجة ضغط أبنه عليه للتنازل عن العرش مبكرًا والاستحواذ على الملك. يرافق ذلك، الظرف المحرج الذي يمر به بن سلمان، بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمالية فقدانه لدعم ترامب في حال خسارته الانتخابات.

أن من الصحيح القول، بأن ولي العهد محمد بن سلمان في موقف لا يحسد عليه حاليًا وهو الذي كان يأمل في عملية انتقال سلس للحكم من أبيه إليه دون أن يفجر ذلك سلسلة من المتاعب. ففي الوقت الذي كان يعتقد أن لديه من الوقت الكافي للتمهيد لمثل هذه الانتقالة السهلة للحكم دون أن يكون هناك من خصوم ينغصون عليه ذلك، تأتي مشكلة الجبري والفضائح التي عملها من خلال رفع قضية أمام المحاكم الامريكية ضده، والانتخابات الامريكية وحظوظ ترامب السيئة فيها، ناهيك عن المشاكل التي يعانيها أشد داعميه بنامين نتنياهو الذي يواجه مشاكل سياسية وملاحقات قضائية له بسبب قضايا فساد. ولا ننسى تفاقم ازمة اليمن التي لا تريد أن تنتهي بحل يرضيه، وتهاوي الاقتصاد السعودي شيئًا فشيئًا ولا حلول سريعة لإنقاذ رؤيته 2030 التي وعد بها مؤيده في الداخل.

وبالتالي فأنه مجبر على المضي في خيارات هي أكثر من صعبه، يحدد من خلالها مصيره في سنوات حياته القادمة، فإما أن يعتلي العرش متفوقًا على جميع خصومه، أو أن ينتهي الأمر به، بعزلة من قبل العائلة المالكة، ليجد نفسه في نفس السجن الذي أودع فيه خصومه منذ سنوات.

https://twitter.com/ALMURAQB_ASSAD/status/1291548661239906310?s=20

ما خيارات أبن سلمان المتاحة لينجو بنفسه؟

صعبة هي الخيارات المتوفرة أمام بن سلمان حتى ينجوا بنفسه من الوضع المتأزم الذي يعيش فيه، فعلى الصعيد الخارجي يتناقص داعميه في الولايات المتحدة ودول الغرب، ولا أمكانيات كبيرة لديه لتعديل هذا الوضع، فالجناح الداعم له في الإدارة الامريكية والمتمثل بالبيت الأبيض ومستشار ترامب الشخصي جاريد كوشنر، بدأ نجمهم بالأفول مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي تشير التوقعات أن حظ دونالد ترامب فيها ليس كبيرا، ومنافسه الديمقراطي جو بايدن سوف لن يعطي دعمًا مفتوحًا له كما كان يفعل ترامب.

وعلى هذا فمن المتوقع أن يُقدم بن سلمان على حلول ثورية وراديكالية كما هي عادته، حتى يفوز بالحكم. فعلى الصعيد الداخلي، من غير المستبعد أن يقدم على تصفية خصمه اللدود وأبن عمه الأمير “محمد بن نايف” أو على الأقل تغيبه من الساحة السياسية من خلال رميه بالسجن لسنوات طويلة بتهمة الفساد. كما من المتوقع أن يقوم بإجراء ضد عمه أحمد بن عبد العزيز، من شأنه تحجيمه بعد أن توالت الأخبار عنه بأنه سيمتنع عن تقديم البيعة له باستلام عرش المملكة. وفي خطوة استباقية لطرح عمه بعيدًا عن التنافس على العرش، قام بن سلمان بتوجيه أمرٍ للوسائل الإعلامية التابعة له، بترويج إشاعات عن الأمير أحمد بن عبدالعزيز بانه زار الملك سلمان في المستشفى وأعطى له عهدًا بدعم ابنه محمد في حال توليه منصب الملك.

https://youtu.be/LvR5YJ2uNWE

ومن المتوقع أن يعمل محمد بن سلمان على الاستمرار في محاولاته لشراء تأييد المؤثرين بالساحة السياسية الأمريكية، يساعده في هذا الأمر جاريد كوشنر رغم ضعف تأثيره الحالي. بل وأنه وفي سبيل تحييد تأثير الامريكان على مستقبله السياسيين، يحاول زيادة عمق علاقاته مع الطرف الصيني للحصول على دعمهم مقابل الضغوط الأمريكية المتنامية ضده، وهي لعبة خطرة بشكل كبير يلعبها بن سلمان، نظرًا لعمق الخلافات الأمريكية الصينية حاليًا، وتعتبر أمريكا الصين اليوم، العدو الأول لها، ومصدر خطر جدي ضدها وبالتالي فأنها لا تتهاون مع من يتعامل مع الصين.

أن ما ستدخل فيه المملكة في الأيام أو الأشهر القليلة القادمة ربما سيحدد مصير المملكة بشكل كبير، فالسياسية التي يتبعها بن سلمان وحرق كل أوراق المملكة في سبيل الفوز بالعرش، ربما ستدخل المملكة بمأزق خطير سيعصف بوحدة المملكة أو المغامرة في فقدان تأثيرها في المنطقة تمامًا، بل ربما ستعجل تلك السياسية بنهاية سلطة آل سعود وأفول عهدهم على يد هذا الأمير الصغير، إذا لم يتسارع باقي أفراد الأسرة الحاكمة لمحاولة إنقاذ ما تبقى من ملكهم والقيام بانقلاب ابيض على سلطة بن سلمان.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى