تقارير

مأزق السعودية يدفعها لحل أزماتها العديدة بالشرق الاوسط

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

تحاول المملكة العربية السعودية اليوم، الانفكاك من الازمة التي تعيشها في ظل انخفاض أسعار النفط، وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد السعودي، إلى العمل على إطفاء الحرائق التي اشعلتها بالتعاون مع الامارات في اكثر من بلد عربي في الشرق الأوسط، وتأمل السعودية أن  تكون تلك المحاولات بمثابة طوق النجاة لها من حالة الغرق الاقتصادي الذي تعاني منه.

فقد نشرت صحف عربية عديدة مؤخرًا، إن السعودية، في طريقها لوضع حدٍ لأزمة الخليج التي افتعلتها مع جارتها قطر بمشاركة دول الحصار، الامارات ومصر والبحرين. وتداولت الصحف خبر زيارة وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح للدوحة، في إطار مبادرة كويتية جديدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الخليجية، وبالتأكيد فأن تلك الزيارة لاستئناف الوساطة بين قطر ودول الحصار، لم تكن لتتم، لولا أن طلبًا صريحًا قدمته السعودية والامارات للكويت، لفعل ذلك.

مبادرة المصالحة الجديدة تأتي بعد ضغط أمريكي

ومن الجدير بالذكر، أن زيارة وزير الخارجية الكويتي، جاءت بعد توارد أنباء، عن ضغوط أمريكية متصاعدة على الرياض وأبو ظبي، لرفع حصارها عن قطر، وعقد مصالحة خليجية. ويُرجح أن السعودية رأت بالضغوط الامريكية، فرصة مثالية لتصفير مشاكلها التي أثرت عليها كثيرًا، في ظل تردي أسعار النفط وتهاوي الاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى التداعيات غير المتوقعة لجائحة كورونا على البلاد. وإذا ما أضفنا لها حالة الاستنزاف الذي تعاني منها في حربها باليمن، التي لا يبدوا إن لها نهاية قريبة، كل هذه المشاكل، جعلت المملكة ذات رغبة قوية لتصفير مشاكلها ليس مع قطر فقط، إنما مع جميع الأطراف الإقليمية التي دخلت معها السعودية في عداوة. وقد تفاعل نشطاء مواقع التواصل مع هذا الخبر، وغرد حساب البحار قالًا: “بعد ايام قليله جدًا وسجلوها علي بتشوفون الاعلام يتحدث عن بوادر ‏حل قد تحدث قمه طارئه خليجيه قبل عيد الفطر وبتكون على مستوى الوزراء الخارجية ‏بتوجيه مباشر من ترامب ‏

المنطقه بتكوننار

وهذا ما رأيناه واضحًا خلال اتصال التهنئة الذي قام به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي بمناسبة فوز حكومته بثقة البرلمان، حينما طلب وساطة بغداد، لغرض التهدئة مع إيران، وفي هذا الصدد، جاءت إشارة واضحة لهذا الطلب السعودي، في بيان مكتب رئيس وزراء الحكومة العراقية، والذي جاء فيه، إن ابن سلمان أكد للكاظمي أن “للعراق دورا أساسيا في تقريب وجهات النظر بالمنطقة”.

ضغوط واشنطن لم تنتهي إلى هذا الحد

لم ينتهي الامر عند هذا الحد، إنما تواصلت ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الرياض، وشملت موضوع إبرام تهدئة في الساحة الليبية، فالأنباء تدور الأن، حول عقدِ صفقة بين اللواء المنشق حفتر، للتخلي عن مساعيه في اقتحام العاصمة طرابلس، مقابل الوصول إلى حل توافقي يحافظ على وجودٍ سياسي لحلفاء الأمارات والسعودية في ليبيا.

 واستمرت الضغوط الأمريكية، حتى بعد أن نفَّذت السعودية جميع طلبات واشنطن، الخاصة بخفض صادراتها النفطية لاستعادة الاستقرار للسوق النفطية، الأمر الذي جعل المملكة السعودية تستشعر بالخطر من هذا التغيير المفاجئ في سياسية واشنطن تجاه المملكة. خاصة مع نية واشنطن لتخفيض تواجدها العسكري في المملكة السعودية، والذي قامت به واشنطن فعليًا من خلال سحبها لأربع بطاريات باتريوت من أراضي السعودية، وعللت واشنطن سحب بطارياتها، لاقتناعها بأن “إيران لم تعد تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي”، هذا ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في السابع من أيار/مايو الحالي حينما قالت، أنه “تم سحب أربع بطاريات من الصواريخ الأمريكية أرض – جو من طراز “باتريوت” من المملكة، كما أن طائرات “F-15″ التي كانت تحميها هناك قد عادت بالفعل إلى الولايات المتحدة”. وحينما سأُل الرئيس الأمريكي عن سبب سحبه لبطاريات باتريوت العاملة في السعودية، قال اننا نعيد انتشار قواتنا في كل العالم وليس بالسعودية فقط، لكنه أردف قائلًا، نحن “نحمي كثير من بلدان العالم مجانًا بدون أن تتكلف تلك الدول بثمن حماية نفسها”.

ويُرجح أن الموقف الأمريكي الجديد من العلاقة مع المملكة السعودية، التي قامت مُنذ عشرات السنين على مبدأ الحماية الأمريكية للسعودية مقابل استمرار تدفق النفط السعودي للولايات المتحدة الامريكية، قد بدأ يفقد جدواه، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة من كبار الدول المصدرة للبترول في العالم، فهي اليوم تشعر الأن إنها غير ملزمة بالدفاع عن السعودية، لأنها ببساطة غير محتاجة لنفط السعودية بعد الأن.

لقد جاء سحب بطاريات باتريوت، بعد أسابيع من ضغوط أمريكية غير مسبوقة على الرياض لتقليل إنتاج نفطها، لمنع انهيار أسعار الخام الأمريكي، وبالتالي منع انهيار الشركات النفطية الامريكية. فقد نشرت وسائل إعلام أمريكية، تسريبات حول مكالمة صاخبة وجه فيها ترامب تحذيرات شديدة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أدت إلى إقراره لاتفاق مع روسيا ومنظمة أوبيك لتخفيض تاريخي في إنتاجها النفطي، ولم تكتفي السعودية بهذا التخفيض، بل إنها قامت بتخفيض كبير، مقداره مليون برميل نفط يوميًا، وذلك بعد المكالمة الأخيرة التي اجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

الرغبة السعودية بالمصالحة، مُكْرَهٌ أخوكَ لا بَطَل

رغبة السعودية اليوم في السعي لإطفاء الحرائق التي ساهمت هي بنفسها بإشعالها بالشرق الأوسط، وبمساعدة حليفتها الامارات. من حصار لقطر، إلى حرب اليمن، إلى التصعيد مع إيران، إلى دعم الإنقلابي حفتر في ليبيا. تأتي بسبب الضغوط التي تعاني منها داخليًا، من أهمها، تخلي الولايات المتحدة عن حمايتها، والحالة الاقتصادية المتردية التي نتجت عن انخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب انتشار جائحة كورونا عالميًا، ثم حرب الأسعار التي شنها بن سلمان على روسيا، والتي جعلت الاقتصاد السعودي يترنح ما بين مديونيات خارجية وداخلية هائلة، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة لإدارة الصراع في اليمن والصراع في ليبيا، ثم التحدي الكبير الذي شكلته جائحة فيروس كورونا على البلاد. الأمر الذي جعل السعودية، تُقدم على إجراءات إضافية لمواجهة الآثار ‏المالية والاقتصادية الناتجة هذه المشاكل، ‏ووفق ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية، فقد أوضح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، بأن هناك إجراءات اقتصادية جديدة ستعمل عليها الحكومة السعودية، والتي تُعتبر مكملة للقرارات المتخذة سابقاً ‏للحد من تفاقم الآثار السلبية للأزمة الحالية التي تمر بها البلاد،‎ ويأمل وزير المالية، بأن توفر هذه الإجراءات الجديدة، نحو 100 مليار ريال ‏سعودي‎‏ للمالية العامة.‏ حيث شملت الإجراءات التقشفية، ‏إلغاء أو تمديد أو تأجيل لبعض بنود النفقات التشغيلية ‏لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات ‏برامج ومشاريع العام المالي 2020‏‎، بالإضافة إلى إيقاف بدل غلاء المعيشة، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% بدلًا من 5%‏‎.‎

وفي هذا ا لصدد، غرد الناشط عبد الملك صلح قائلًا: “المزيد من الإنهيار الإقتصادي المستمر في السعودية ‏والذي سيؤدي الى نهاية بني سعود وقد تعب منه الشعب السعودي الذي سكت على ظلم ‏وتكبر بن سلمان فبعد انهيار النفط اليوم. إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر (يونيو) ‏لعام (2020م)، وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من (5%) إلى (15% )”.‏

كل تلك المشاكل، هي التي جعلت المملكة تجنح إلى تصفير مشاكلها مع الدول المتخاصمة معها.

الصلح مع قطر

تلك الضغوط عززت توجهات المملكة السعودية نحو المصالحة مع قطر، كما حذت الامارات حذو السعودية كونها تتعرض لنفس الضغوطات، ففي تسريب لحساب ضابط استخبارات أماراتي يحمل اسم “بدون ظل” قال فيه: “الشيخ محمد بن زايد ، يرسل موافقته للبيت الابيض للمصالحة مع دولة قطر”

وذكرت صحيفة أمريكية ناطقة باللغة العربية، بأن ذلك جاء بعد مكالمة تم اجرائها بين الرئيس الأمريكي ترامب وولي العهد الاماراتي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن زايد، واللذان تحدثا فيها عن ضرورة إنهاء الازمة الخليجية، والمصالحة مع قطر وإلغاء جميع القرارات التي اتخذها ولي عهد السعودي بن سلمان، لأن إطالة الموضوع ليس من مصلحة الإمارات ولا السعودية. لكن الرد القطري يبدوا انه لم  يستغرق وقتًا طويلًا بعد زيارة وزير الخارجية الكويتي للدوحة، حتى جاء على شكل تغريدات لأشخاص قريبون للحكومة القطرية، جاء فيها إن قطر ليس لديها النية بالمصالحة مع الامارات. وهذا يعني إنها ربما لديها الاستعداد للمصالحة مع السعودية، ولكن ليس مع الامارات.

ففي هذا الشأن قال الشيخ خليفة بن حمد في تغريدته له: “ما الله خلقنا للخضوع ولا نعرف الانكسار…… والكلمة العوجا نوقفها قبل تمريرها .. حنا هل الصمله مطوعة الصعايب باختصار….. واطلق شنب .. ماهو بكفو للبلد واميرها”

https://twitter.com/KHK/status/1259895635475681283?s=20

ويبدوا واضحًا إن المملكة السعودية، تحاول مراجعة كل سياساتها التي تبنتها في السنوات الثلاثة الأخيرة بعد أن أصبح بن سلمان الامر الناهي في المملكة، بسبب ما أورثته من مشاكل للملكة، تُوشك أن تأتي على ملك آل سعود بالكامل. ربما تكون هذه الفرصة الأخيرة لهذا النظام، ونعتقد إنها سوف لن تتكرر في حال ضيعتها المملكة من بين أيديها وبقيت ترهن مستقبل المملكة السعودية بطموحات أولاد زايد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى