في ظل انتشار وباء كورونا…. السعودية تُسهل عودة المقيمين لبلدانهم بسبب عجزها عن علاجهم

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث
لم يكد ينتهي وزير المالية السعودي محمد الجدعان من تصريحاته المفجعة بشأن الاقتصاد السعودي وما ينتظره من مأسي وشيكة، حتى انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمّل المشكلة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، على الأجانب والمقيمين في السعودية. وتحث السلطات السعودية على طردهم وإرجاعهم إلى بلادهم سواء بالطواعية، أو بالتسفير القسري. وأوضح الناشطون في موقع التواصل الشهير تويتر، بأن تكلفة علاج هؤلاء المقيمين تتجاوز مليارات الريالات، وأن السعوديين هم أولى بتلك المليارات، في حملة بغيضة من الكراهية على الأجانب والمقيمين، بالرغم من أن هؤلاء الأجانب والمقيمين يعيشون في السعودية منذ عشرات السنين، كانوا سببًا في النهضة التي تعيشها السعودية، وكان لهم دورًا كبيرًا في العمران الذي تشهده البلاد.
جميع قرارات السلطات السعودية تسبقها حملة على مواقع التواصل
وكما اعتدنا من السلطات السعودية حينما تريد تمرير قرارٍ ما، فإنها تعمد على تهيئة الرأي العام من خلال حملات منظمة على مواقع التواصل، توضح فيها أسباب إقدامها على مثل هذا القرار، وتعطي صورة بأنها لم تقرر هذا القرار إلا استجابة للرأي العام السعودي. وفي هذه الحالة الأخيرة التي قامت السلطات السعودية باتخاذ قرارٍ تُسهل فيه عودة المقيمين على بلدانهم الاصلية، هو في حقيقة أمره، نتيجة للوضع المأساوي الذي تعيشه من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى تداعيات انتشار وباء كورونا التي ألقت بظلالها الكبيرة على هذا الاقتصاد، وليس بسبب المقيمين. حيث أعلنت المملكة العربية السعودية، مساء الثلاثاء الماضي، عن إتاحة الفرصة للمقيمين على أراضيها للعودة الى أوطانهم بشكل استثنائي، وذلك عبر السفر على الطيران، من خلال مبادرة اسمتها السلطات السعودية، مبادرة (عودة). وتعتقد السعودية، إن هذه الخطوة ستعمل على تقليل التحويلات الخارجية التي يقوم بها أولئك المقيمين إلى بلدانهم الاصلية.
فقامت السلطات السعودية بإصدار هذا القرار لترحيل هؤلاء المقيمين بطريقة، لا تبدوا إنها ترحيلًا قسريًا لهم. ومن المتوقع إن هذا القرار في حال لم يتفاعل معه المقيمين ولم تكُن لهم استجابة قوية معه، فإنها ربما ستعمد على الترحيل القسري لهم خلال الأيام القادمة.
نماذج مما نشر بموقع التويتر بهذا الشأن
ومن النماذج البارزة التي قامت بالتمهيد لهذا القرار السعودي الخاص بالمقيمين على مواقع التواصل، هي الحملة التي أطلقها الحساب شبه الرسمي “السعودية للسعوديين”، حيث أطلق هاشتاق بعنوان “#السعودية_للسعوديين” غرد فيه الذباب الالكتروني التابع للسلطات السعودية، بسيل من خطاب الكراهية للأجانب في السعودية. فقد غرد حساب السعودية للسعوديين قائلًا: جائحه #كورونا وإجراءات اقتصاديه مؤلمه الم يأن الاوان للتخلص من هذا الكم الهائل من الأجانب تفوّق الاجانب في التحويلات المالية وفي الجرائم واصبح المواطن عاطل بسببهم وسبب من جلبهم وعدم انضباطهم اطال وسيطيل الحظر رحلوا الاجانب لكي نعيش في وطننا
https://twitter.com/ksaforsaudis/status/1257318849327673346?s=20
وغرد أيضًا: لولا وجود هذه الملاين من الأجانب لتجاوزنا جائحه كورونا ٨٥٪ من المصابين اجانب مهملين متخلفين حضاريا عدد الاجانب اكثر من المواطنين وبقائهم مع هذه الاجراءات الاقتصادية المتحفظة مجرد عبئ استهلاكي بدون اي إنتاجية ترحيل اكبر عدد من اجل الامن والصحة والاقتصاد
https://twitter.com/ksaforsaudis/status/1256830759786221569?s=20
أما حساب باسم فيصل فقد ربط بين تصريحات وزير المالية ووجود الأجانب في السعودية، فقال: خطاب #وزير_المالية كان مُتوقع، العالم كله يمر بظروف اقتصادية سيئة ويواجه حالة كساد عام. الجانب المشرق أن الوقت الآن مثالي للتخلص من الأجانب العالة وتوطين الوظائف. الاقتصاد السعودي ماعاد يتحمل التحويلات المليارية وخروج هالمبالغ منه. هذا الوقت اللي نقول فيه #السعوديه_للسعوديين
خطاب #وزير_المالية كان مُتوقع، العالم كله يمر بظروف اقتصادية سيئة ويواجه حالة كساد عام.
الجانب المشرق أن الوقت الآن مثالي للتخلص من الأجانب العالة وتوطين الوظائف. الاقتصاد السعودي ماعاد يتحمل التحويلات المليارية وخروج هالمبالغ منه.
هذا الوقت اللي نقول فيه #السعوديه_للسعوديين
— Faisal 🇸🇦 (@FaisalNess) May 2, 2020
ما هو وضع الأجانب والمقيمين في السعودية؟
في تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت فيه، إن “الوافدين بالخليج العربي ومنها السعودية، خلال أزمة جائحة «كورونا»، وجدوا أنفسهم محبوسين في مساكن ضيقة وغير صحية، محرومين من الدخل وغير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب قيود السفر. وأضاف التقرير أن بعض الوافدين بدأ ينفد ما عندهم من طعام ومال، ويخشون من عدم توفر مكان يلجؤون إليه خلال الأزمة التي تعصف بالعالم. وذكر التقرير، إنه بحسب كتاب حقائق العالم، الصادر عن وكالة المخابرات المركزية، فإن أكثر من ثلث سكان المملكة العربية السعودية، البالغ عددهم 34 مليون نسمة، هم من الأجانب، ومع انتشار الفيروس، فرضت السعودية وباقي دول الخليج، عمليات إغلاق وقيوداً تهدف للحد من العدوى، أدت إلى تباطؤ اقتصاداتها بشكل كبير. وقد تسرب الكثير من هذه الخسائر إلى العمال، إذ يكسب البعض أقل من 200 دولار شهريا، وعليهم ديون كبيرة للوسطاء قبل أن يبدأوا العمل”. وأضافت الصحيفة، إن “هناك مؤشرات على أن الفيروس أصاب الوافدين بشكل خاص” ربما يعود السبب في ذلك، هي الحالة التي يعيشها أولئك العمال الأجانب في ظروف صحية بائسة وفي مساكن تحوي الغرفة الواحدة منها ما يفوق العشرة أشخاص، وهي بيئة خصبة للعدوى. وفي هذا الشأن، قالت وزارة الصحة السعودية، إن أكثر من نصف حالات الإصابة بفيروس «كورونا»، هم من الأجانب.
ويدافع بعض الناشطين عن العمال، بالقول، إن الإجراءات التي أعلنتها حكومة السعودية، لدعم اقتصادها وإبطاء انتشار الفيروس، لا تفعل ما يكفي لحماية العمال. في غضون ذلك، أعلن العاهل السعودي الملك سلمان الشهر الماضي أنه سيغطي علاج أي شخص يعاني من مرض كوفيد 19 في المملكة، بما في ذلك الأجانب. لكن حزمة المساعدات التي تقدر بقيمة 2.4 مليار دولار، لن تغطي سوى رواتب العاملين في القطاع الخاص من المواطنين السعوديين وتستثني العمال الاجانب.
السبب الأخر الذي يجعل الفيروس منتشر بصفوف العمال الأجانب، هو إن هناك قطاعات مهمة من الاعمال مثل البناء والنفط والغاز، استمرت في العمل، الأمر الذي يعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس.
ماذا يحدث للسعودية لو تم تهجير العمالة الوافدة فعلًا؟
تشكل العمالة الوافدة أحد الأساسيات التي تعتمد عليها السعودية في مشاريعها الاقتصادية المختلفة خاصةً النفط، بالإضافة إلى كثير من المهن التي لا يعمل فيها السعوديون، خاصةً في المطاعم، والأعمال الشاقة، وقطاعات الزراعة، والتنظيف والخدمات المنزلية. وحسب الاحصائيات التي نشرتها الهيئة العامة للإحصاء السعودية في ديسمبر الماضي، إن 13.10 مليون عامل غير سعودي، يعملون في هذه الوظائف. ووفقًا إلى نظام العمالة في السعودية المعروف بنظام الكفالة، فأن العامل منذ لحظة وصوله إلى المملكة، يصبح ملتزماً بالعمل لدى كفيله، ولا يحق له الانتقال للعمل لدى غيره إلا بإعارته لفترة محددة، أو من خلال نقل كفالته. وهو لا يختلف كثيرًا عن نظام الرق الذي كان معمولًا به في العالم قبل مئات السنين.
وعلى هذا الأساس، كيف لنا أن نتخيل حال السعودية، في حال مغادرة كل هذه الملايين من العمال الذين يمسكون قطاعات اقتصادية مهمة في البلد؟ يبدوا إن الحالة ستكون مأساوية، وأن الحكومة السعودية تحاول حل مشكلة انتشار فيروس كورونا وانهيار الاقتصاد السعودي، بمشكلة أكبر لا تستطيع تحملها، تتمثل بتهجير العمال الأجانب والمقيمين لديها.
فوضى قوانين الإقامة يفتح بابٍ لا يمكن غلقه
ومع تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” في السعودية والتي وصلت أعداد المصابين فيها إلى أرقامٍ قياسية، بات مخالفو الإقامة يشكلون خطراً جديدًا على المملكة، وذلك لصعوبة تتبُّع حركتهم ومعرفة أماكن وجودهم. ومخالفو الإقامة هم شريحة من العمال الأجانب الذين لم يستطيعوا الإيفاء بشروط الإقامة الصعبة في السعودية، الأمر الذي دفعهم للتسيب للدرجة التي لا تعرف الحكومة السعودية عنهم شيئًا، ويقدر أعداد هؤلاء بأكثر من ثلاثة ملايين مخالف وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء السعودية في سبتمبر الماضي.
والمشكلة الأعظم في ظل انتشار جائحة كورونا في السعودية، هو أن هؤلاء المخالفين لا يستطيعون مراجعة المستشفيات الحكومية خشية إلقاء القبض عليهم وترحيلهم، مما يجعلهم بيئة مناسبة لانتشار الفيروس في أوساطهم. ورغم إن الملك سلمان بن عبد العزيز، قد قرر علاج مرضى “كورونا” في المملكة من المواطنين والمقيمين والمخالفين لنظام الإقامة مجاناً، إلا إن الاستجابة لذلك القرار بقيت ضعيفة.
الاستفادة من الوافدين لا طردهم
ويبدوا إن المشكلة مع المقيمين والعمال الأجانب في السعودية، ستبقى مشكلة مستعصية على الحل للسلطات السعودية، ولا يمكنها التعامل معها بشكل يفضي إلى حلٍ ينصفهم، وبنفس الوقت تستفيد منهم المملكة السعودية، ما دام النظام السعودي ينظر إليهم بنظرة فوقية، يريد منهم الحصول على الخدمات، دون أن يكون لهم أي حق في هذا البلد، أو أي حق كعامل في بلدٍ متحضر. وفي الوقت الذي تعمد دول العالم على منح الجنسية للمقيمين في بلدانها منذ مدة طويلة، إذا ما توفرت فيهم شروط المواطنة، وتعمل على ادماجهم مع شعوبها. نجد إن خطاب الكراهية ينمو في الأوساط السعودية وبرعاية حكومية، مما جعل الشعب السعودي غير قابل للنمو يفتقر للكفاءات، ولا يستفيد من الكفاءات التي وفدت إلى بلده وجعلهم مواطنين سعوديين يساهمون بخدمة هذا البلد، لا سيما وإن لهؤلاء الوافدين بصمتهم في نهضة السعودية الحديثة لا يمكن أغفالها.