تقارير

ما سر سكوت السعودية على ما يجري في عدن وسقطرى؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

في لقاء له مؤخرًا مع قناة الجزيرة، أدلى وزير الداخلية اليمني “أحمد المسيري” بتصريحات، تُعتبر من أكثر التصريحات جرأة من مسؤول حكومي يمني في حق المملكة السعودية حتى الان، حيث علَّق على ما يجري في مدينة عدن ومحافظة سقطرى من تداعيات سياسية وعسكرية يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا، اتهم فيها المملكة بالتواطؤ على تلك الجريمة، وذلك من خلال سكوتها عن ما يجري هناك. من جانب أخر، اتهم الامارات بشق النسيج الاجتماعي اليمني في سقطرى.

اتهام السعودية بالتواطؤ

وأوضح الميسري، إن السعودية التي كانت ضامنة لاتفاق الرياض، وبالتالي، هي المسؤولة عن تحديد الجهة المعطلة “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من أبوظبي، لكن سكوت الرياض عن تصرفات “الانتقالي” في سقطرى وعدن، يعتبر تواطؤا، وعليها تعديل موقفها. كما ألقى “الميسري” بضلال الشك على الموقف السعودي، واحتمالية شراكتها بالمخطط الاماراتي، حينما قال، أن “السعودية طلبت من الرئيس “عبد ربه منصور هادي” تأجيل دخول جيشه لعدن انطلاقًا من شقرة في محافظة أبين”. وكان على الرئيس “هادي” عدم الاستجابة لرغبة السعودية. لكن وزير الداخلية “الميسري” لم يفوتَ توجيه عتابٍ شديد لرئيس الجمهورية اليمني ‏والحكومة اليمنية، قائلًا، إن “بيانات الرئاسة والحكومة ‏اليمنيتين تجاه إجراءات المجلس ‏الانتقالي الجنوبي غير كافية”. لكن وزير الداخلية اليمني “الميسري” استمر في كلامه الجريء بحق دول التحالف فقال، ‏إن “الجنوب اليمني هو محل أطماع الكثيرين -ودول التحالف أولهم- للفوز بموطأ قدم في ‏هذه الجغرافيا المهمة”. وعلى ما يبدوا إن الوزير اليمني “الميسري” قد أدرك بشكل لا يقبل ‏الشك على عملية التخادم بين الرياض ودبي، ومصداق ذلك هو انسحاب القوات ‏السعودية بشكل مفاجئ من مواقع تأمين مداخل مدينة حدييو عاصمة ‏أرخبيل سقطرى. ‏رغم إن هذه المدينة تعرضت لهجوم سابق من قبل مليشيات المجلس الانتقالي التي تقاتل ‏ضد السلطة الشرعية في سقطرى.‏

أما مسؤول التواصل الخارجي لاعتصام المهرة “أحمد بلحاف”، فقد قال، أن “الاتفاق المبرم ‏بين الانتقالي والشرعية في سقطرى، والذي رعته السعودية في سقطرى، لا يخدم غير ‏أهدافها التوسعية وضرب للسلطة الشرعية. واتهم بلحاف، السعودية والإمارات بنشر ‏الفوضى في سقطرى، حينما قال : إن “سقطرى لم تعرف الفوضى الابعد دخول قوات ‏الاحتلال السعودية وأجهزة المخابرات الاماراتية التي فرّخت المليشيات واستقطاب وشراء ‏الولاءات.”  وأشار بلحاف إلى أن “الاتفاق كان قد وضع محافظة سقطرى تحت الإدارة السعودية، وساوت بين السلطة الشرعية ‏والمليشيات”. كما أضاف بلحاف، إن “ما يحدث في ‏سقطرى هو تبادل أدوار بين السعودية والإمارات، مضيفا أن أبناء سقطرى لن يقبلوا هذا ‏الاتفاق”.

وعلى صعيد ذي صلة، بعث وزير النقل المستقيل “صالح الجبواني” برسالة إلى رئيس الجمهورية، حثه فيها على “تشكيل ‏حكومة طوارئ تعمل من داخل اليمن، وذلك بعد أن تبين إن رئاسة وحكومة اليمن التي تمارس سلطاتها من الرياض، ‏غير قادة على إدارة الازمة اليمنية”. وهذا الامر دليل أخر على تدني مستوى ثقة اليمنيين بالرئاسة ‏والحكومة القابعة في الرياض.‏

أصداء أحداث عدن وسقطرى على مواقع التواصل الاجتماعي

تلك الاحداث وجدت أصداء لها على مواقع التواصل الاجتماعي، عبرت فيها عن مدى فقدانها الثقة بالحكومة الفاقدة لإرادتها السياسية لصالح المملكة السعودية. فقد غرد الناشط عارف أبو حاتم قائلًا: “عصابات مسلحة قطعت اليوم أكثر من 1000 كيلومتر حتى وصلت إلى #سقطرى لقتل ‏أبنائها برعاية إماراتية تاركةً ميليشيا الحوثي تعبث في مناطقها سؤالان: هل أرسلت ‏الحكومة جيشاً إلى سقطرى للدفاع عن آخر معاقل الشرعية؟ إلى متى يتم السكوت عن ‏ممارسات وجرائم الإمارات في اليمن؟ سئمنا من البيانات

أما “مختار الرحبي” فقال: “نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية يتحدث عن ما يحصل في سقطرى ‏ويقول ان هذا بسبب التحالف العربي ودولة الإمارات التي تريد أن تسفك دماء أبناء ‏سقطرى التى لم يحدث فيها اي معركة منذ مائة عام حيث قامت بشراء مجموعة من ‏الرخاص من قيادات باعت شرفها العسكرية مقابل دراهم الإمارات.‏

ما الذي حدث في سقطرى؟

تجري في محافظة سقطرى، محاولات من مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً للسيطرة عليها. وتمكنت القوات الحكومية والقوات المشتركة حتى الأن من التصدي لهم، في الوقت الذي وصلت قوات سعودية معززة بآليات عسكرية، إلى مبنى ديوان عام المحافظة لتأمينه. وشهدت محافظة أرخبيل سقطرى، توتراً عسكرياً، بعد محاولة مليشيات المجلس الانتقالي، السيطرة على مدينة حديبو عاصمة سقطرى، بعد أيام من إعلان قيادة الانتقالي حالة الطوارئ في المحافظات الجنوبية، وإدارتها ذاتياً. وأوضحت مصادر محلية، أن مسيرة احتجاجية لأنصار المجلس الانتقالي، خرجت للتنديد بمقتل ‏جندي، قيل إنه قضى عند تصدي القوات الحكومية لمحاولة اقتحام مدينة حديبو، غير أنهم ‏هاجموا مبنى السلطة المحلية ورفعوا علم “دولة اليمن الجنوبي” على واجهته.‏ من جانبها، دعت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والجامعة العربية للتدخل من أجل انهاء ما اسمتهُ بالانقلاب الثاني على السلطة الشرعية اليمنية.‏‎

ماذا تريد الامارات والمجلس الانتقالي من جنوب اليمن؟

من المفارقات التي تلاحظ على دولة الأمارات التي لم تستطِع حماية جزرها الثلاث من إيران التي تحتلها منذ سنين، لديها رغبة بجعل جزيرة سقطرى لتكون بديلة عن طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى. كما تحاول الإمارات تحويل وجهة المعركة الحقيقية مع مليشيا الحوثي، إلى معارك جانبية، حيناً في عدن وحيناً في شبوة وأبين، وحيناً آخر في جزيرة سقطرى، ويعود السبب في ذلك، إن الامارات تستغل الصمت المطبق من المملكة السعودية إزاء مخططاتها، وكذلك الموقف الضعيف من الرئاسة والحكومة اليمنية التي وقعت أسيرة للمملكة السعودية. ورغم أن الرئيس عبدربه منصور هادي ومنذ وقت مبكر، حوّل جزيرة سقطرى إلى محافظة يمنية، لوقف أي أطماع للإمارات في هذه الجزيرة، ورفض ضغوط الامارات ليمنحهم حق إيجار جزيرة سقطرى. لكنه بقيَّ أضعف من أن يكون حائلًا بينها وبين أطماعها بالجزيرة.

في ظل الخلافات المستحكمة بين الحكومة اليمنية و”المجلس الانتقالي الجنوبي” حول الاتفاق المبرم بين الطرفين وبرعاية سعودية، وصلت إلى ذروتها بعد إعلان المجلس “حالة الطوارئ” و”الإدارة الذاتية” لمدن الجنوب، وما تبعها من إشعال معارك في سقطرى. كان للملكة دعوة للمجلس بالتراجع عن تمرده المسلح، لكن المجلس الانتقالي لم ينتظر طويلًا للرد على تلك الدعوة السعودية، بالمماطلة والتسويف، ولم يكشف برده عن إلغاء خطواته الانقلابية على اتفاق الرياض والمؤسسات الدستورية اليمنية، وبدلا من ذلك، قفز بشكل مباشر للتفاوض على الجانب السياسي والاقتصادي من اتفاق الرياض المتعثر. ويسعى “الانتقالي” من وراء كل تلك المماطلات، هو انتزاع مكاسب سياسية باعتباره سلطة “أمر واقع” في مدينة عدن، وإجبار السعودية للرضوخ لمطالبه القديمة، في تفعيل الجانب السياسي والاقتصادي فقط باتفاق الرياض، فهو يسعى للحصول على الشرعية لكافة خطواته الانقلابية، ويصبح شريكاً في السلطة، أما الشق الاقتصادي، فهو يريد أن يكون شريكاً في كافة المؤسسات الرقابية والسيادية على المال العام.

لهذا السبب، نرى إن أتباع الإمارات، يصرون على إشعال حروب جديدة في سقطرى وحضرموت، ومواصلة التحشيد في أبين واغتيال جنود من القوات الحكومية. ووفقاً لمصادر، كان “الانتقالي” يحشد لإسقاط مدينة حديبو عاصمة سقطرى، من أجل استخدامها كورقة تفاوضية وانتزاع البنود التي يريد تطبيقها في اتفاق الرياض.

ما سبب سكوت السعودية على تصعيد وكلاء الامارات؟

الأكثر غرابة في التحركات الأخيرة للمجلس الانتقالي، هو السكوت المطبق من الجانب السعودي عليه، رغم سيل الإهانات التي يوجهها هذا المجلس للرياض، ويرجح عدد من المراقبين، إن الرسائل التي حملها إعلان “الإدارة الذاتية” في الجنوب، كانت في الحقيقة موجّهة للسعودية أكثر منها للحكومة الشرعية. لكن تقريرًا صدر من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، قال فيه، إن “السعودية، عملت بصمت لتفكيك قوة المجلس على الأرض، تحديداً حول عدن، عبر خطوات شملت شراء ولاء القادة العسكريين المحسوبين عليه. وإنشاء قوات جنوبية جديدة يتزعمها قادة جدد موالون كلياً للرياض، وحرمان قوات الانتقالي من مصادر دخلها، الأمر الذي يساعد في استقطاب المقاتلين لصالح تشكيلات عسكرية تُدفع رواتبها بشكل منتظم من السعودية”. ويشير التقرير، إلى أن السعودية عملت من خلال التنسيق مع الأردن، لمنع عودة عدد من قيادات “المجلس الانتقالي” إلى عدن من عمّان، تمهيدًا لعودة كامل الحكومة اليمنية إلى العاصمة المؤقتة عدن.

ورغم توقعات التقرير من أن مواجهة عسكرية حتمية بين الحكومة و”المجلس الانتقالي” ستدور رحاها خصوصًا في أبين. إلًّا إن التقرير استبعد انخراط السعودية بشكل مباشر في تلك المواجهات حال نشوبها، ذلك لأن هناك قوات سعودية متواجدة في المناطق التي يسيطر عليها “الانتقالي”، خصوصاً في عدن، وبالتالي فمن غير المرجّح أن تخاطر الرياض بجنودها وتعرضهم لخطر القتل أو الإصابة، أو أن يُؤسروا كرهائن. ومن هذا ندرك مدى تعقيد الوضع بالنسبة للسعودية، فبقاؤها في عدن مع إصرار المجلس الانتقالي على الإدارة الذاتية، يعني موافقة السعودية على ما يقوم به المجلس، أو إنها عاجزة أمام المجلس والذي يفترض أنه وكيلًا لدولة حليفة له في حرب اليمن، والتي تبين إنها حليفة للسعودية على الورق فقط. وهذا ما يفسر لنا السكوت السعودي ليس فقط عن إجراءات المجلس الانتقالي، إنما سكوتها عن الاهانات التي توجه لها من قبل قيادات الصف الأول لـ”الانتقالي”، وعلى ما يبدوا إن السعودية، على موعد للدخول في مستنقع جديد في اليمن، وهذه المرة في ‏الجنوب اليمني، والمسؤول عن توريط المملكة في هذا المستنقع، هي حليفتها الامارات، ‏وربما هذا السبب الذي جعل السعودية تسحب قواتها من مداخل مدينة حديبو‏ لتفتح المجال واسعًا لوكلاء الأمارات لاحتلال المدينة وكامل محافظة سقطرى.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى