تقارير

أسرى حماس في السعودية.. بين المطالبات لإطلاق سراحهم وتعنت بن سلمان فهل سيستجيب أم يضيف هذا الملف إلى قائمة استهتاره ورعونته؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث

دعت منظمات وهيئات فلسطينية وغير الفلسطينية، للإفراج عن المعتقلين ‏الفلسطينيين والاردنيين في سجون النظام السعودي، في الوقت الذي تتجاهل السلطات السعودية كل تلك الدعوات ولا يصدر عنها إي استجابة بهذا الموضوع. حيث دعت الأمانة العامة للمؤتمر ‏الشعبي لفلسطينيي الخارج، المملكة السعودية، إلى وقف محاكمة الشخصيات الوطنية ‏الفلسطينية والأردنية والإفراج عنهم، وعلى رأسهم الدكتور “محمد صالح الخضري”، والمهندس أمين العصار، والصحفي عبد الرحمن فرحانة، ‏والأكاديمي الدكتور هاني الخضري، خاصة في ظل الحديث عن انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، وإمكانية تعرض ‏المعتقلين للإصابة بالفيروس، الأمر الذي يهدد حياتهم بالتزامن إذا علمنا إن الدكتور الخضري ‏وإخوان له في المعتقل يعانون من أمراض مزمنة. فيما قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، في بيان أصدره في 6 ‏سبتمبر/ أيلول 2019، إن السعودية تخفي قسريا 60 فلسطينيا؛ من بينهم الخضري ‏ونجله.‏

من ناحيتها أعربت حركة حماس، عن خشيتها على حياة المعتقلين الفلسطينيين في السجون ‏السعودية، في ظل انتشار فيروس كورونا.‏ ولم تنفك الحركة عن رفع الطلبات والمناشدات للقيادة السعودية، لأجل إطلاق سراح المعتقلين لديها، وفي غالب المطالبات والاتصالات التي كانت تجريها الحركة مع السلطات السعودية، كانت تتم بسرية، خشية من الحركة لعدم احراج القيادة السعودية في هذا الامر، مع كل ذلك لم تستجيب القيادة السعودية لتلك المناشدات، رأت حينها قيادة الحركة الفلسطينية حماس، بأن الواجب تجاه الاسرى بالسجون السعودية يقتضي من الان، الجهر بتلك المطالب بعد أن وصلت إلى مرحلة اليأس من النظام السعودي بالاستجابة لتلك المطالب. فقامت الحركة بمطالبة القيادة السعودية بالمطالبة بشكل علني، في شهر سبتمبر /أيلول من السنة الماضية، بالإفراج عن القيادي في الحركة وممثل حماس في السعودية الدكتور محمد الخضري ونجله، بالإضافة إلى العشرات من الفلسطينيين والاردنيين المعتقلين على خلفية تهم  تتعلق بجمع المال للفلسطينيين.

ثم عادت الحركة تجديد مطالبها بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين والاردنيين، وذلك عبر اصدار بيان قبل أيام، جاء فيه، أن “انتشار فيروس كورونا، يحمل مخاطر حقيقية على حياة المعتقلين، ما يزيد من معاناتهم ومعاناة أسرهم”. وفي ذات السياق، نشرت وكالة “قدس برس”، تقريرًا عن القصة الكاملة لممثل حركة حماس المعتقل في السجون السعودية، والذي ذكرت فيه، لمحة عن حياة الدكتور محمد الخضري الممثل الرسمي لحركة حماس في السعودية، لافتة إلى أنه تم تعيينه ممثلا للحركة لدى السعودية عام 1993. وإن التهمة التي اعتقل من أجلها الدكتور الخضري (82عاما) والمصاب بالسرطان، ونجله البكر هاني (50 عاما) بالإضافة إلى العشرات من الفلسطينيين والاردنيين، هي الانماء لـ”كيان إرهابي”، وجمع التبرعات للفلسطينيين,

كما ذكر التقرير، أن السلطات السعودية لم تكتفِ باعتقال الخضري فقط فجر يوم الرابع من أبريل/ نيسان 2019، في مدينة جدّة، من قبل جهاز مباحث “أمن الدولة”، إنما اعتقلت شقيقه ونجله أيضًا، وأبقت الخضري في العزل الانفرادي حتى تموز/ يوليو 2019، في سجن “ذهبان” بمدينة جدة، حتى سمحت له بعد ذلك، بزيارات شهرية، ثم أخيرا قامت بالفصل بين الابن وأبيه؛ بنقل الأب إلى سجن الحائر في الرياض.

مبادرة الحوثي واسرى حماس في السعودية

ذهب بعض من المراقبين أن حركة حماس بمطالبتها العلنية بالإفراج عن ممثل الحركة في السعودية وبقية المعتقلين الفلسطينيين والاردنيين، كانت تبتغي أحراج القيادة السعودية،لإطلاق سجناء ليس لهم ذنب ،على أن الموضوع الفلسطيني، هو الأكثر حساسية اسلاميًا وعربيًا. كما وأن تجدد مطالبات الحركة في الأيام الأخيرة، جاء متزامنًا مع المقترح الذي قدمه الحوثي، لتبادل أسرى سعوديين موجودين لديها، بالمعتقلين الفلسطينيين والاردنيين الموجودين لدى النظام السعودي. والغاية منه هي ذاتها في إيضاح حقيقة القيادة السعودية.

وفي هذا الصدد يرجح إن حماس وجدت نفسها مضطرة لمسايرة العرض الحوثي لإطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين مقابل اطلاق سراح اسرى سعوديين لديها،مع أبقائها على  لغة تصالح مع النظام السعودي، وذلك بعد أن انغلقت كل الأبواب امام الحركة في هذا الشأن، حتى بعد أن استعانت بوسطاء مصرين وأوربيين للوصول إلى حلٍ لهذه الازمة مع السعوديين. وفي تصريح للأناضول، دعا رئيس الدائرة الإعلامية في حماس بالخارج، السلطات ‏السعودية إلى إطلاق سراح الخضري ورفاقه، لا سيما بعد انتشار فيروس كورونا في المملكة، وورود معلومات بأن الفيروس بدأ بالانتشار بالسجون السعودية، كما حاولت قيادة حماس الاستفادة من الملف الإنساني الذي يمكن أن يساهم بحل أزمة المعتقلين، لا سيما ونحن مقبلين على حلول شهر رمضان المبارك.

هل مبادرة الحوثي مناورة سياسية أم دعم حقيقي للقضية الفلسطينية؟

شكلت مبادرة الحوثي (بإطلاق طيار وجنود وضباط سعوديين لديها مقابل إطلاق الفلسطينيين من سجون المباحث) مفاجأة كبيرة لكل الأطراف، خاصة السعودية وحماس، فالأولى لم ‏‏تكن تريد أن يكون موضوع معتقلي حماس لديها مادة للتداول الإعلامي، وفرصة ‏لإحراجها ‏سياسيا في المنطقة، خاصة لدى الرأي العام العربي، لاسيما وأن المملكة التزمت ‏الصمت ‏حيال هذا الموضوع طوال الفترة الماضية، منذ بدء حملة الاعتقالات في أوساط مناصري حماس في ‏أبريل ‏‏2019.‏‏ ‏أما على صعيد حماس، فقد بذلت جهودا، وما زالت تبذل، مع العديد من الأوساط ‏العربية ‏والإقليمية، لإيجاد حلحلة لهذه الأزمة القائمة مع السعودية، لكنها جميعا باءت ‏بالفشل ‏حتى الآن، في ظل تعنت سعودي طاغي، ورفض لكل الوساطات التي تقدمت إليها من ‏قبل ‏مصر وتركيا والكويت ولبنان، وسواها من الدول.‏

أما تداعيات هذه المسألة على الصعيد اليمني، فقد وصف وزير الاعلام اليمني معمر الارياني “أشهر شخص يمني رسمي يدافع عن السعودية”، مبادرة جماعة الحوثي، بقضية تبادل ‏أسرى سعوديين بسجناء من حركة “حماس” لدى المملكة، بـ”المتاجرة والمزايدة الرخيصة”، وأضاف الوزير اليمني، الخطوة الحوثية هي عبارة عن مشروع إيراني يستخدم القضية الفلسطينية كشعار لتمرير ‏مخططاته التوسعية في المنطقة ، وهي ذات العبارات التي يرددها إعلام وحسابات الديوان الملكي.

وقد أوضحت حركة حماس أن تفاعلها مع الدعوة الحوثية لإطلاق سراح السجناء، هو بسبب التجاهل السعودي التام، لإطلاق السجناء الفلسطينيين، بل زاد النظام أن حولهم للمحاكمة بتهم ملفقة من قبيل  تورط السجناء وعلى رأسهم الخضري، مع ‏تنظيمات على لائحة الإرهاب في المملكة، إضافة إلى أن الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري لعدة أشهر التي قامت به المملكة، هو الذي جعل الحركة تتعامل بشكل إيجابي مع الدعوة الحوثية، رغم الاختلاف الكبير في التوجهات بين حركة حماس ومليشيا الحوثي. أما ما ذكره الوزير الارياني “السعويمني” حول إن ترحيب حركة حماس بالمبادرة، هو استفزاز لمشاعر اليمنيين، وانخراط في العمل مع مليشيات الحوثي التي قتلت الألاف من اليمنيين، واختطفوا وعذبوا عشرات الآلاف. فهو أمر تكذبه معظم حسابات مشاهير اليمنيين من معظم الأطراف السياسية الذين وقفوا ضد اعتقال الفلسطينيين ، ولسان حال الحركة يقول: ماهو موقف الحكومة اليمنية التي ينتمي لها الوزير، حينما أقدمت السلطات السعودية على اعتقال أفراد من حركة حماس والمتعاونين معها، واتهامهم بالإرهاب، رغم انهم كانوا موجودين بالسعودية وفق القوانين السعودية وبعلم السلطات الأمنية السعودية منذ عشرات السنين؟ ولم يمارسوا أي محظور أمني طيلة بقائهم بتلك الدولة؟

من جانبه، قال الصحفي اليمني يوسف عجلان، في تصريح له لوكالة للأناضول، إن ‏‏”الحوثيين لن يكونوا ‏في يوم من الأيام مناصرين للقضية الفلسطينية، فهم أغلقوا مكاتب ‏حركة حماس في العاصمة صنعاء، ‏واستولوا على الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية، ‏واعتقلوا موظفيها”. ويضيف عجلان، أن “ما يقوم به ‏الحوثين مجرد خطوة تحمل أبعادا ‏سياسية ودعائية مفضوحة يحاولون إيهام اليمنيين أنهم يدعمون ‏القضية الفلسطينية، ‏للحصول على مكاسب توظف للدفع بمزيد من المقاتلين إلى الجبهات بحجة مقاتلة ‏من ‏يسميهم بالعدوان المدعوم أمريكيا وإسرائيليا (التحالف العربي)”.‏

حماس من جهتها، تنظر للمبادرة الحوثية الخاصة، لتبادل الاسرى مع السعودية، وإطلاق سراح ‏معتقلي حماس من سجونها، بأنها مبادرة تكشف حقيقة التعامل السعودي مع الفلسطينيين وتظهر قضيتهم على الصعيد العربي والإسلامي بشكل بارز ، ولديهم شبه يقين أن السعودية لن تستجيب لها، على ‏الأقل حاليا، وهم يدركون أيضا أن هذه ‏المبادرة سوف تأزم العلاقة المتأزمة أصلا بين حماس والسعودية.‏

الحقيقة تقول، إن الحوثي قد نجح في وضع السعودية في زاويةٍ حرجةٍ جداً، سواء في ذلك إن استجابت لمبادرته، أو لم تستجب، فخياراتها ضيقة، رغم أنها ليست عملية التبادل الأولى بين الطرفين على مدار السنوات الخمس الماضية، لكن هذه المرة الأولى التي تتعلق بالشأن الفلسطيني، تلك القضية الحساسة لدى جميع الشعوب العربية والإسلامية. وفي هذا الشأن عبّرت حماس عن أسفها لانتقال “السعودية من موقع الداعم للقضية ‏الفلسطينية، كونها قضية الأمة المركزية، إلى موقع المحاصر لها ولداعميها ولأبنائها”.‏

الكيان الصهيوني يستجيب والمملكة لا تستجيب

ومن المفارقات الغريبة التي تلحظ في هذا الموضوع، هو إعلان بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، عن موافقته بإجراء تفاوض مع حركة حماس، والبدء فيها بشكل فوري، بناء على دعوة الحركة لتقديم مقابل جزئي لإسرائيل لتفرج عن أسرى فلسطينيين، خاصة مع انتشار وباء كورونا والذي تخشى الحركة إصابة المعتقلين الفلسطينيين به. لكن تجد أن السعودية لا تستجيب للمناشدات ومبادرات مماثلة جاءتها من حركة حماس أو من جهات دولية عديدة، للإفراج عن المعتقلين لديها. وأوضح قيادي بحركة حماس أن الصفقة مع الجانب الصهيوني، تتعلق بإطلاق سراح أسرى من كبار السن والمرضى والأطفال والنساء، ممن تخشى الحركة انتقال الوباء إليهم. بينما تحتجز المملكة شخصية فلسطينية تبلغ من العمر 82 عامًا ومصاب بالسرطان، ومع ذلك فهي ترفض اطلاق سراحه. ومع إن  نتنياهو يحاول باستجابته السريعة للمبادرة الفلسطينية، استغلال هذا الملف لكسب الرأي العام في إسرائيل، لكن الحكومة السعودية لا تفكر مطلقًا بتحسين سمعتها أمام شعبها والشعوب الإسلامية والعربية في هذا الموضوع وإطلاق سراح أولئك المعتقلين.

هل تستجيب السعودية لمبادرة الحوثي أو الطلبات الفلسطينية؟

وعلى ما يبدو أن القيادة السعودية، لا تمتلك الخيارات التي تجعلها تخرج من هذا الاحراج بماء وجهها، فالمبادرة الحوثية، جعلت السعودية بموضع المساند للكيان الصهيوني في محاربته لفصائل المقاومة الفلسطينية عبر زج عناصر تلك المقاومة في السجون السعودية واتهامهم بجمع التبرعات للشعب الفلسطيني، وهذا ما يزيد من عزلتها العربية والإسلامية فوق ما هي معزولة حاليًا.

وإذا ما تعاطت ايجابيًا مع المبادرة، فإنها سوف تظهر بصورة لا تقل سوء عن صورة الكيان الصهيوني، حينما يتفاوض الأخير مع حماس عبر وسطاء، لإطلاق سراح اسرى إسرائيليين لدى حركة حماس، مقابل أن يطلق الكيان الصهيوني المعتقلين الفلسطينيين القابعين في سجونه.

ويفسر مراقبون سر عدم استجابة السعودية الرسمية للمناشدات بالإفراج عن ‏المعتقلين، على اعتبارهِ نهجًا وسياقًا تعمل به الحكومة السعودية، هذا ما أوضحه الكاتب ‏والمحلل السياسي “فراس أبو هلال”، حينما قال، “أن عدم الاستجابة السعودية الرسمية ‏لمناشدات الإفراج عن المعتقلين، تأتي في سياق السلوك الرسمي تجاه قضية الاعتقالات ‏عمومًا، وليس فقط المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين”. ولكي تعطي السلطات السعودية ‏انطباعًا للآخرين، إنها لا تخضع للضغوط، في الوقت الذي يرى خبراء ومراقبون، إن التصرف السعودي هذا، يعبّر عن “موت ‏سياسي” لأنها غير قادرة على إدارة المفاوضات كغيرها من الدول.‏

لكن من وجهة نظر مراقبين أخرين، فإن السعودية ربما تتخذ اجراءً يجعلها تتخلص من هذا الحرج وذلك من خلال عدة سيناريوهات يمكنها العمل عليها، إذا ما استثنينا خيار موافقتها على المبادرة الحوثية. وذلك من خلال اصدار الملك السعودي قراراً بالعفو عن المعتقلين الفلسطينيين وترحيلهم من السعودية للالتفاف على المبادرة، والادعاء بأن هذا العفو، جاء بسبب خشية المملكة إصابة المعتقلين بوباء كورونا، وكذلك بسبب حلول شهر رمضان الفضيل. وهو سيناريو وارد يُمكّن السعودية من التخلص من احراجها الذي هي فيه.

كما يمكن للملكة، أن تعمد على تطبيق سيناريو أخر، تُفعل فيه وسطاء اخرين، ولتكن مصر مثلًا، لتلعب دور الوساطة بين حماس والسعودية للإفراج عن المعتقلين، في خطوة تهدف إلى تعزيز صورة العلاقات المصرية السعودية، وبنفس الوقت سحب البساط من المحور الإيراني وحلفائه الذي يريدون الظهور بمظهر الذي حقق نصرًا على السعودية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى