هل استطاعت المملكة السعودية التعامل ايجابيًا مع وباء كورونا؟

خاص – مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث
لم تكن المملكة العربية السعودية الوحيدة من بلدان العالم التي لم تعِر الاهتمام الكافي لموضوع انتشار فيروس كورونا، حالها حال الكثير من البلدان في العالم، حتى تفاجأت بدخول هذا الفيروس لأراضيها من حيث لا تدري، وكشف عن الغفلة التي يعيشها قادة المملكة، ليس فيما يتعلق بانتشار الفيروس فحسب، بل فيما يتعلق بتحركات مواطنيها في دول العالم أيضاً.
فشل استخباري عوضًا عن الفشل الصحي
فالإصابة الأولى التي تم اكتشافها بهذا الفيروس، كانت لمواطن سعودي جاء من إيران (حيث كان الوباء منتشرًا على نطاق واسع) عبر البحرين، ثم توالت اكتشافات الإصابات وبأرقام تصاعدية، وغالبية الإصابات هي لمواطنين سعوديين كانوا في الفترة الأخيرة في زيارة لإيران دون الإفصاح عن ذلك، ولم تكن جوازات سفرهم مختومة بسمة دخول أو خروج إيرانية، كما هي عادة النظام الإيراني حينما يستقبل مواطني دول المنطقة الموالين له، وهذا بحد ذاته يعتبر فشلًا استخباراتيًا فاضحًا للأجهزة الأمنية السعودية. ولم تتدارك السلطات السعودية الأمر واتخاذ الإجراءات السريعة للحد من انتشار الفيروس، إلا بعد أن انتشر على نطاق واسع، جعلتها على حافة فقدان السيطرة على انتشار هذا الوباء. يعزز هذه الفرضية، هو إصابة العديد من المعتمرين القادمين من السعودية بالفيروس، وتم اكتشاف إصابتهم في بلدانهم التي رجعوا إليها.
هذا ما أفصحت عنه دول عديدة منها تركيا، التي جاءها الفيروس من معتمريها القادمين من مكة والمدينة، حينما أخضعتهم للفحوص المختبرية الخاصة بهذا الفيروس بعد وصولهم إلى تركيا.
وفي تصريح لوزير الصحة التركي، قال فيه، أن أحد المعتمرين القادمين من أراضي الحجاز، قد أصاب لوحده أكثر من 200 مواطن تركي، بسبب عدم معرفتهم باصابته بالفيروس، ذلك لأن السلطات السعودية لم تنبه دول المعتمرين على تفشي الفيروس فيها.
الإجراءات التي اتخذتها المملكة في بداية الأزمة
لم يكن للسلطات الصحية والأمنية بُدٍ إلَّا البدء على الفور باتخاذ الإجراءات التي أوصت بها الصحة العالمية للحيلولة دون انتشار الفيروس بالمملكة، لكن إجراءً واحداً لم تتخذه، كونه يتعلق بالوضع السياسي للبلد (كما تظن القيادة السعودية)، وهو عدم الشفافية في الإعلان عن الأرقام الحقيقية للإصابات والوفيات جراء هذا الوباء، وهي بذلك تتساوى مع كل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة والعالم، التي تخشى الغضبة الجماهيرية على استهتارها بأرواح شعبها واللامبالاة التي تتعامل بها مع هذا الوباء الخطير.
وكشفت وكالة بلومبيرغ، أن تقريراً سرياً للمخابرات الأمريكية، أكد أن هناك دول عديدة من بينها “السعودية”، أخفت حقيقة تفشي فيروس كورونا فيها، ولم تعلن عن الأعداد الحقيقية للمصابين والوفيات بين سكانها.
ومن الإجراءات المعتادة التي قامت بها المملكة، في هذا الخصوص:
- علقت الدخول إلى المملكة لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف مؤقتاً.
- علقت الدخول إلى المملكة بتأشيرات سياحية للقادمين من الدول التي ينتشر فيها الفيروس.
- تعليق دخول مواطني دول مجلس التعاون باستخدام بطاقة الهوية فقط، للتنقل من وإلى المملكة.
- إيقاف الدراسة بكل مستوياتها، وتعليق الأنشطة الرياضية، ومنع صلاة الجماعة في المساجد.
ثم توالت بعد ذلك الإجراءات الأكثر تشددًا تزامنًا مع ازدياد حالات الإصابة وحالات الوفيات جراء انتشار الفيروس، لتشمل فرض حضر التجوال في مكة المكرمة والمدينة المنورة على مدار اليوم. بالإضافة إلى فرض حضر تجوال جزئي من الساعة الثالثة ظهرا حتى الساعة السادسة صباحا من اليوم التالي في مدينة الدمام ومحافظتي الطائف والقطيف.
لكن الجانب الأكثر إيلامًا لابن سلمان في قضية وباء كورونا، هو دخول الاقتصاد السعودي في ركود ربما سيعقبه كارثة اقتصادية في ظل توقف كل الفعاليات الاقتصادية، الأمر الذي يضرب رؤية 2030 بالصميم. وفي إجراءٍ عاجل من السعودية أعلنت عن تدابير عاجلة بـ120 مليار ريال (ما يقارب 32 مليار دولار) لتخفيف آثار كورونا الاقتصادية. والإعلان عن إعداد برنامج بقيمة 50 مليار ريال لدعم القطاع الخاص لتخفيف الآثار المالية والاقتصادية لفيروس كورونا، بالإضافة إلى تخفيض جزئي بمقدار 5% من إجمالي نفقات موازنة 2020.
وأكدت الحكومة إنها أعدّت مبادرات عاجلة لمساندة القطاع الخاص خاصةً المنشآت الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الاقتصادية الأكثر تأثراً من تبعات هذا الوباء، تمثلت في إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية لتوفير سيولة للقطاع الخاص، ولكن من ناحية أخرى نفت الحكومة السعودية إنها تكفلت برواتب العمال والكسبة بالقطاع الخاص، مع إلزامهم بعطلة اجبارية عن أعمالهم، الأمر الذي شكل عبًا كبيرًا على تلك الشريحة المجتمعية، إذا ما علمنا أن عددهم يتجاوز الـ 8 مليون عامل، وبما يفوق الـ 5 مليون موظف حكومي والذين تكون رواتبهم مضمونة من الدولة. لكن الحكومة وفي سبيل التخفيف عن القطاع الخاص قامت بجملة من الإجراءات كانت أهمها:
1- الإعفاء من المقابل المالي على الوافدين المنتهية إقاماتهم وتمديد فترة الإقامات الخاصة بهم لثلاثة أشهر دون مقابل.
2- تمكين أصحاب العمل من استرداد رسوم تأشيرات العمل المصدرة التي لم تُستغل خلال مدة حظر الدخول والخروج من المملكة، أو تمديدها لمدة ثلاثة أشهر دون مقابل.
3- تمكين أصحاب الأعمال ولمدة ثلاثة أشهر من تأجيل توريد ضريبة القيمة المضافة وضريبة السلع الانتقائية وضريبة الدخل،
4- تأجيل تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات لمدة ثلاثين يوماً.
5- تأجيل دفع رسوم الخدمات الحكومية والبلدية المستحقة على منشآت القطاع الخاص، لثلاثة أشهر.
لكن خبراء اقتصاديون ومحللون أجمعوا على أن كل تلك الإجراءات والتدابير المالية الوقائية التي تم اتخاذها مؤخراً، هي بمثابة تخفيف للأزمة الاقتصادية التي تمر بها المملكة، وليست علاجاً نهائياً.
هل تعكس الأرقام المعلنة حقيقة الإصابات في المملكة؟
وفي مراجعة بسيطة للأرقام المعلنة من السلطات الصحية السعودية حول انتشار الفيروس بالمجتمع السعودي وأرقام الوفيات الناتجة عنه، يجعلنا نشك كثيرًا في مصداقيتها، كونها لا تتناسب مع عدد سكان المملكة، ولا يتناسب أيضًا مع الإجراءات البسيطة المتخذة من قبل السلطات السعودية، ذلك لأن دولٍ عديدة، متقدمة صحيًا وصناعيًا، وصلت مرحلة فقدان السيطرة على انتشار المرض في بلدانها، والأرقام المعلنة عن الإصابات والوفيات توضح الصورة بشكل جلي عن عمق المشكلة التي يعانون منها، لأنها دولٍ تراعي الشفافية في الإعلان عن الإصابات مع شعوبهم، فكيف تكون اعداد الإصابات في المملكة بهذا المستوى المنخفض الذي تعلنه.
وفي تقرير نشره موقع عربي 21، نقل عن ناشطين بمواقع التواصل الاجتماعي قولهم، إن الأحياء الفقيرة في مكة، مثل حي النكاسة الشهير، كفيلة بأن تشكل أزمة كبيرة وبؤرة للمرض يصعب السيطرة عليها، بسبب الازدحام، ووعورة المكان، وخطورته.
كما وتداولت حسابات مهمة في مواقع التواصل منها منصة التواصل الشهيرة “تويتر”، حقيقة أن الأرقام الحقيقية للإصابات بفيروس كورونا، وحالات الوفيات الناتجة عنه، هي أعلى بكثير من الأرقام المعلنة من قبل السلطات السعودية، وبالذات في مكة المكرمة.
فقد ذكر أحد تلك الحسابات أرقاماً مخيفة عن حقيقة الوباء في المملكة، حيث ذكر أن هناك “أكثر من 1000 حالة في مستشفى الشميسي – الرياض”، كما أشار إلى وجود مئات الحالات في العديد من المستشفيات فضلاً عن آلاف الحالات في الحجر دون مستشفى، وذكر كذلك بأن الإصابات طالت حتى الكوادر الطبية في مكة.
وحسب الاحصائيات المعلنة من جامعة جونز هوبكنز والتي تعتمد على الإحصاءات الرسمية لكل دولة، فقد تم تسجيل 2370 إصابة مؤكدة بالفيروس، ووفاة 29 حتى يوم 5 نيسان/ابريل الحالي. من هذا يجعلنا في شك كبير من الأرقام التي تعلنها السلطات السعودية، وأن الأرقام الحقيقية ربما تكون أكبر من ذلك بكثير.
لكن الذي يمنع المسؤولون السعوديون من التعامل بشفافية مع شعبهم، هو خشيتهم أن يساهم ذلك في تسليط نقمة الشعب السعودي على قادتهم، في ظل حكم الحديد والنار التي يتعامل بها ولي العهد بن سلمان مع شعبه، وخشيته من أن يتحول فيروس كورونا إلى شرارة تشعل نار الثورة ضد نظامه.
بن سلمان يرفض إطلاق سراح المعتقلين
وفي الوقت الذي جنحت العديد من الدول لمنع انتشار الفيروس، إلى اطلاق سراح المسجونين والمعتقلين الذين ليس لهم حول ولا قوة تجاه انتشار المرض، كونهم مضطرين للبقاء في عنابر السجن ذات الاختلاط الكبير، ولا فرصة لهم للتباعد فيما بينهم، قامت بإطلاق سراح بعضهم، والبعض الآخر تم إطلاق سراحهم بشكل مشروط، في إجراء للحيلولة دون إصابتهم، والملفت للنظر، أن مثل هذا الاجراء لم تقم به الدول التي تحترم شعوبها فحسب، إنما قامت به حتى أكثر الدول الاستبدادية بالعالم، مثل إيران والعراق والعديد من الدول المشابه لتلكما الدولتين. لكن بن سلمان رفض الالتفات إلى كل الدعوات التي طالبته بإطلاق سراح المسجونين ومعتقلي الرأي، والذين في غالبهم من المشايخ الطاعنين بالسن، والأكثر عرضة للإصابة والموت جراء هذا الفيروس.
لم يكتف بن سلمان بذلك، إنما قام بإخراس كل صوت يطالبه بذلك الإجراء ولو على استحياء، هذا ما فعله الشيخ صالح المغامسي حينما طالب على استحياء بإطلاق سراح المسجونين، فما كان رد النظام السعودي إلا أن أقاله من إمامة مسجد قباء بالمدينة المنورة، وتحول إلى مغضوب عليه، بعد أن كان من المقربين وكان بوقاً للنظام السعودي، يرفع صوته بالثناء والمدح لرموز هذا النظام ليل نهار، ولم تشفع له تغريدته بالاعتذار بعد ذلك، والتنازل عن طلبه بإطلاق المسجونين، وطويت صفحته إلى غير رجعه، ولسان حاله ربما يقول، إذا انتهت الأمور إلى هذه المرحلة فنحن بخير، فإذا بالأمور تتطور فيزج به هو الآخر بالسجن.
بعد تأمل وجدت أنني لم أوفق في تغريدتي والتي قصدتُ بها العفو عن مساجين الحق العام في المخالفات البسيطة، كما جرت عليه عادة القيادة المباركة في رمضان، أمّا أصحاب المخالفات الجسيمة فمردّه لمايقرره الشرع بحقهم، وعن سييء النية الذي حاول استغلالها ضد وطني فأقول:لن يزيدكم خبثكم إلا خسارا
— الشيخ صالح المغامسي (@SalehAlmoghamsy) March 28, 2020
أما فيما يتعلق بالمعتقلين من غير السعوديين، فقد قال رئيس لجنة المعتقلين السياسيين الأردنيين بالسعودية، خضر المشايخ، “إن خطر الإصابة بفيروس كورونا بين المعتقلين في سجون المملكة بمختلف جنسياتهم، بات “أمرا حتميا”، وسط تأكيد حالات الاشتباه”. وأضاف في تصريح للأناضول، ”بلغنا إصابة بعض المعتقلين في أحد السجون، وهذا بحد ذاته خطر يهدد إصابة الجميع”. ونبه المشايخ إلى أن “المعتقلين الأردنيين، يحاكمون وتحتجز حرياتهم بتهم لا أساس لها من الصحة”. يجدر بالذكر، أن السلطات السعودية أوقفت عددا من المقيمين الأردنيين في فبراير/ شباط 2019، ضمن حملة طالت أردنيين، وعددا من الفلسطينيين، بتهم غير واضحة ولا مباشرة، لكنها ركزت بالمقام الأول على الدعم المالي للقضية الفلسطينية.
من ناحيتها، أعربت الفدرالية الدولية للحقوق والتنمية -التي تتخذ من روما مقرا لها- عن قلقها البالغ من تقارير تحدث عن اعتقال السلطات السعودية ناشطين أكاديميين بشكل تعسفي في الأيام القليلة الماضية، خارج اطار القانون، والذي اعتبرته، إنه رد فعل سلبي ومستهجن من السلطات السعودية للدعوات الدولية التي طالبتها بالإفراج عن المعتقلين في الوقت الحالي.
وفي ظل الإجراءات الصحية والاقتصادية المتواضعة التي يقوم بها النظام السعودي، يبقى السؤال المهم هنا، هل سنشهد خروج أزمة كورونا عن السيطرة في المملكة –لا سمح الله- في ظل حالة الاستخفاف والاستهتار التي هي السمة البارزة لرأس السلطة الفعلية في السعودية محمد بن سلمان، وفي ظل عدم تعامل الحكومة السعودية بالقدر الذي تمليه عليها المسؤولية الشرعية والأخلاقية والإنسانية تجاه مواطنيها والمقيمين على أراضيها فضلاً عن المعتقلين في سجونها ظلماً وعدواناً؟