كوليرا ودفتيريا وكورونا.. كيف تسببت الرياض وأبوظبي في موت اليمنيين؟
كوليرا ودفتيريا وكورونا.. كيف تسببت الرياض وأبوظبي في موت اليمنيين؟
من الكوليرا إلى الدفتيريا ومن إنفلونزا الخنازير إلى حمى الضنك، كلها أوبئة غزت اليمنيين، فقتلت الآلاف منهم، وأصابت مئات الآلاف، فضلا عن سوء التغذية التي تقتل طفلا كل 10 دقائق، حسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
ما سبق كان فصلا من فصول المأساة التي نتجت عن الحرب التي أعلن عنها تحالف السعودية والإمارات في اليمن قبل 5 سنوات، مؤذنة بتدمير البنى التحتية في كافة أرجاء اليمن، متسببة في تدهور النظام الصحي بمدن البلاد.
ورغم أن تحالف السعودية الإمارات دخل الحرب في اليمن بدعوى إنهاء الانقلاب، واستعادة الشرعية، لكن الواقع يقول: إنه أتي ليدمر المنشآت العامة والمؤسسات الصحية، ويفرض حصارا بحريا وقيودا صارمة على الواردات، ما أسهم بشكل مباشر في تدهور الوضع الصحي، إلى جانب الوضع الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي.
تأثرت المنظومة الصحية في اليمن بتلك الحرب، ونشأت بالتزامن مع ذلك مشاكل بيئية أسهمت بتفشي الأمراض والأوبئة التي قضت على حياة آلاف اليمنيين، وأصابت آلافا آخرين بالأمراض والفيروسات وسوء التغذية الحاد.
أغلب مستشفيات اليمن خرجت من الخدمة، وعجزت بعض المراكز الصحية عن تقديم الخدمات الطبية، فساء الوضع الصحي، وانتشرت الأوبئة والأمراض.
انتشار الأوبئة
تسببت العملية العسكرية التي شنها تحالف الرياض أبوظبي، بانهيار أساسات الدولة وبناها الصحية والاقتصادية، وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة والفيروسات، وعدم قدرة السلطات على مواجهتها.
في تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية يوضح أن أزمة المجاعة والأزمة الإنسانية والصحية في اليمن تعود للسياسات المتعمدة التي يمارسها التحالف بقيادة السعودية في الحرب على البلاد، ويتضمن التقرير صورا وتقارير مصورة صادمة، يعود معظمها للضحايا من الأطفال.
تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أكد أن القيود التي فرضها التحالف، بقيادة السعودية، على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية، أدى إلى تدهور الوضع الصحي والإنساني في البلاد بشكل كارثي.
وأضاف التقرير أنه تحت مبرر تعزيز إجراءات المراقبة والتدقيق على الرحلات والسفن، أوقف التحالف جميع الرحلات الجوية والبحرية وفرض حصارا على الموانئ والمنافذ البحرية والجوية، ومنع مرور الشحنات الغذائية في الموانئ البحرية إلا باستخراج تصاريح.
وبسبب خروج المراكز الصحية من الخدمة وعدم قدرة المستشفيات على العمل بطاقتها القصوى جراء الحرب، تسبب ذلك بتفشي مرض الكوليرا، وحسب منظمة أوكسفام الدولية، سجلت أزمة وباء الكوليرا أسرع انتشار لها في التاريخ بسبب توسع نطاق الحرب، وتدهور نظام الرعاية الصحية، وانخفاض مخزون البلاد من الإمدادات الطبية إلى مستوى خطير، وفق بيانات الأمم المتحدة.
تلك الحرب تسببت في خروج المستشفيات عن الجاهزية، وعجزت عن استيعاب الأعداد المتزايدة للمرضى بالأوبئة والفيروسات، وحسب مصادر طبية للأناضول، فإن عودة بعض الأوبئة وتمددها في الآونة الأخيرة يعود إلى ضعف كبير في التجهيزات الطبية وشح شديد في اللقاحات،
فيروس كورونا
يواصل فيروس كورونا الجديد زحفه لعدة دول، مخلفا عشرات الآلاف من الإصابات، وآلاف الوفيات، ورغم إعلان السلطات اليمنية خلو البلاد من الفيروس حتى الآن، إلا أن اليمن الذي يعاني من تدهور المنظومة الصحية وانهيار النظام الصحي بفعل غارات التحالف لن يكون قادرا على مواجهة كورونا حال انتشر الفيروس في أوساط اليمنيين.
طيلة سنوات الحرب، لم يكن اليمن قادرا على مكافحة الأوبئة التي يمكن الوقاية منها وعلاجها، لكنها أصابت وتسببت في وفاة آلاف اليمنيين، رغم كونها تشكل خطورة أقل من فيروس كورونا، الذي لم يتم العثور بعد على دواء له.
وحسب مراقبين، فإنه في حال تفشي وباء الكورونا في اليمن، فإنه سيخلف عددا كبيرا من المصابين نظرا لعدم قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى، لضعف التجهيزات، وشح الأدوية.
وفي تقرير لمنظمة الصحة العالمية، قالت فيه: “نتوقع انفجارا في أعداد حالات الإصابة بفيروس كورونا في سوريا واليمن”، وفي حال انفجر الوضع فسيكون كارثيا.
ولم تكن السلطات الصحية في اليمن قادرة على مواجهة وباء الكوليرا، رغم توفر علاجه، حيث أصيب أكثر من مليون ونصف يمني بالكوليرا مند اندلاع الحرب قبل 5 سنوات، ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن مليون و400 ألف يمني أصيبوا بالكوليرا، منذ اندلاع الحرب في اليمن، بينهم 657 ألف طفل، توفي منهم 2700 شخص.
ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، فإن اليمن شهد أوسع حالة لتفشي الكوليرا، حيث تم الإبلاغ عن إصابة أكثر من مليون حالة منذ اندلاع الحرب حتى نهاية 2017.
وقالت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق: إن العديد من المرضى اليمنيين يفقدون حياتهم لعجزهم عن تحمل تكاليف العلاج، والعديد منهم يموتون بأمراض يمكن الوقاية منها.
ورصدت المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن موت طفل دون سن الخامسة كل 10 دقائق، لأسباب يمكن الوقاية منها، فيما يعمل العديد من الأطباء والممرضين دون مقابل أو لا يحصلون على حد الكفاف من الأجور.
توقف الخدمات
لم يكتف تحالف الرياض أبوظبي في تدهور الوضع الصحي باليمن، بل قام بشن غارات جوية ألحقت أضرارا بالغة بالمستشفيات والمراكز الصحية في المدن والأرياف، ما تسبب بخروجها من الخدمة وتوقف خدماتها الصحية والطبية للمرضى.
في 26 مارس/آذار 2019، تسببت غارة تابعة لطائرات التحالف بتضرر مستشفى ريفي في مديرية كتاف بمحافظة صعدة موقعة 7 قتلى من المدنيين، بينهم 4 أطفال، وإصابة 8 من الطاقم الصحي، إضافة إلى حراس أمن، فيما بقي اثنان في عداد المفقودين.
وقالت منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية، التي تشرف على المستشفى وتقديم الدعم له: إن “الغارة استهدفت محطة غاز على مقربة من الباب الرئيسي للمستشفى، في وقت كان المشفى يكتظ بالمرضى والزوار”.
وعلقت مديرة المنظمة التنفيذية كارولين مايلز، بالقول: “لقد صدمنا وشعرنا بالصدمة من هذا الهجوم الفظيع، حيث فقد الأطفال الأبرياء والعاملون الصحيون حياتهم، فيما يبدو أنه هجوم عشوائي على مستشفى في منطقة مدنية مكتظة بالسكان، مثل هذه الهجمات هي خرق للقانون الدولي”.
وأضافت مايلز: “هذا المستشفى واحد من مشاف عدة ترعاها منظمة (أنقذوا الأطفال) في جميع أنحاء اليمن، حيث تقدم المساعدات المنقذة لحياة الأطفال الذين يعيشون في أسوأ مكان على الأرض، ولهؤلاء الأطفال الحق في أن يكونوا آمنين في مستشفياتهم ومدارسهم ومنازلهم، لكننا نرى تجاهلا تاما من جميع الأطراف المتحاربة في اليمن لقواعد الحرب الأساسية، يجب حماية الأطفال، وينبغي لهذه الحرب أن تتوقف”.
متبرعون وقتلة
وحسب “هيومن رايتس ووتش”، أسفرت غارة جوية أخرى تابعة للتحالف عن تدمير مستشفى تدعمه منظمة “أطباء بلا حدود”، في منطقة حيدان بمحافظة صعدة، وهي المنشأة الطبية الوحيدة في دائرة نصف قُطرها 80 كيلومترا، ويستقبل في العادة 150 حالة طوارئ في الأسبوع، رغم إمداد منظمة “أطباء بلا حدود” للتحالف بإحداثيات المركز الصحي، وتأكيد الإحداثيات مرتين شهريا، كإجراء متبع لتفادي الاستهداف بالغارة، بحسب مدير المنظمة في اليمن حسن بوسنين.
ومثل ذلك استهداف مستشفى السلام والمستشفى الجمهوري بصعدة، وكذلك بوابة مستشفى الثورة بالحديدة بغارتين للتحالف في أغسطس/آب 2018 أسفرتا عن مقتل 20 مدنيا وإصابة 60 آخرين.
ونقل تقرير لموقع ميدل إيست آي عن رئيس عمليات الأمم المتحدة للمساعدات، جان إيغلاند قوله: “قادة المنظمات الدولية يتضاعف لديهم القلق إزاء التبرعات النقدية الكبيرة التي قدمتها كل من السعودية والإمارات لليمن، بالتزامن مع حملتهما العسكرية الشرسة هناك، والتي أزهقت العديد من الأرواح”.
إيغلاند أكد أن “تلك المساعدات لا تمنح المتبرع حصانة ضد المراقبة الدولية، ولا تعطيه الضوء الأخضر لقتل المدنيين أو قصف المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية”. لافتا أن التحالف بين هذه الدول، بالإضافة إلى دول أخرى، “تسبب بتجويع وترويع أكثر من ثلاثة أرباع الشعب اليمني”.