تقارير

يبطش بالمعارضة.. لماذا يتغاضى الغرب عن جرائم ابن سلمان؟

يبطش بالمعارضة.. لماذا يتغاضى الغرب عن جرائم ابن سلمان؟

سلطت صحيفة “الجارديان” البريطانية الضوء على مراحل صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى السلطة ومغامراته الخارجية، مفسرة أسباب تغاضي الغرب عنه وعدم سقوطه بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد فريق أمني حكومي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول.

وتطرقت الصحيفة في تقرير لها إلى أنه في عام 2015، كتب توم فريدمان، الصحفي في “نيويورك تايمز” مقالة تحت عنوان: “رسالة من المملكة العربية السعودية” أشاد فيها بالجيل القادم من أفراد العائلة المالكة وتحدث بحماسة عن محمد بن سلمان “الممتلئ بأفكار التغيير والتحديث” حسب الصحيفة. لكن في 2017 كتب فريدمان يقول: إنه “لا يتوقع نجاح عملية الإصلاح في السعودية إلا أحمق، وأحمق منه من لا يشجّع هذه العملية”.

وأشارت إلى أنه بين هذين المقالين كان محمد بن سلمان قد شق طريقه بقبضة حديدية معلنا الحرب على الفساد، ومستهدفا تطهير بلاده من الفاسدين، كما مهّد وأعد لاستقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ودعم الحرب الدموية باليمن التي يقاتل فيها الحوثيون نيابة عن إيران. وفي الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018 تم اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، بناء على تعليمات محمد بن سلمان.

وهنا يأتي صحفي ثان من “نيويورك تايمز” ليكمل القصة، حيث كتب بن هوبارد كتابه الأول عن محمد بن سلمان، بعنوان “محمد بن سلمان والصعود للسلطة”، وقدم الكاتب صورة واضحة للأمير الشاب لكنها في الوقت نفسه غائمة فيما يتعلق بمستقبل السعودية، تاركا القارئ يتساءل عما ينتظر الأمير ومملكته.

ولفتت الصحيفة إلى أن هوبارد ركز على صعود الأمير الشاب، وتحصليه للنفوذ وممارسته للسلطة، إذ ينسج الكاتب التقارير التي تتحدث عن محمد بن سلمان كسردية واحدة يمكن قراءتها بسهولة، حيث لجأ هوبارد إلى التقارير بعدما رفض محمد بن سلمان إجراء مقابلة معه كما هو متوقع.

“بائع متهور”

ورسم الكاتب السنوات الأولى لابن سلمان على أنه شبيه بـ”مارغريت تاتشر”. وكما ذكر أحد المقربين من الأمير، فإن ولي العهد السعودي كان دائما ما “يستمتع بالحديث عن السيدة الحديدية”. لا يفتأ هوبارد يؤكد ويركز على نقطة محورية لديه، وهي أن الأمير تلقى تعليمه داخل المملكة، على عكس الآخرين الذين درسوا في الولايات المتحدة أو أوروبا، فقوته نابعة من الداخل ومعرفته بمفاصل النظام والمجتمع تكسبه تميّزا على غيره.

وأوضح هوبارد القيود التي فرضها السعوديون على رحلاته داخل المملكة، ويذكر أنه كان ضحية لعملية اختراق إلكترونية بعد تلقيه لرسالة نصية. ووفقا لمختبر “ستزن لاب” التابع لجامعة تورنتو، جرى استهداف هوبارد بواسطة برامج التجسس المعروفة باسم “بيجاسوس”، التي أعدتها مجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية.

وبحسب وصف هوبارد، فإن المزاج الغالب على الأمير هو مزاج “بائع متهوّر” ففي عام 2016، كشف عن الرؤية السعودية 2030، وهي خطة لتنويع الاقتصاد وتقليل اعتماده على النفط كمحرك اقتصادي. كما أن مزاج البائع، يجعل من حديثه التسويقي لأفكاره، حديثا جاذبا، فعندما يتحدث الأمير، يستمع له الناس.

وأشار إلى أنه بعد زيارة ريتشارد برانسون للسعودية في سبتمبر/ أيلول 2017، وسفره مع ابن سلمان إلى كاليفورنيا، حكى الملياردير البريطاني ومؤسس شركة فيرجن أنه استمع إلى الأمير وهو يتحدث عن السفر إلى الفضاء. ويتشارك الأمير بعض المصالح التجارية مع رجال الأعمال في “سيليكون فالي” حيث يمتلك السعوديون حصصا من تطبيقي “أوبر” و”ليفت”.

سياسته الخارجية

وسلط هوبارد الضوء على دور ابن سلمان في تشكيل وتحويل السياسة الخارجية السعودية، فبعدما تولى السلطة، لم تعد المملكة تهتم بالفلسطينيين أو القضية الفلسطينية، ولم تعد تعتبر إسرائيل عدوا لها، فبالنسبة للأمير فإن الإسرائيليين “لا يقتلون السعوديين”. وفي الكفة الأخرى، كان أعداؤه هم تنظيمي القاعدة والدولة، والإخوان المسلمين وإيران.

وفقا للكاتب، فإن “عداء” الأمير لإيران كان “سياسيا وأيديولوجيا ودينيا”، لأن محمد سلمان يرى أن الحوار بين الدولتين المتجاورتين على ضفاف الخليج العربي أمر شبه مستحيل. يمتد الصراع بين الإسلام السني والشيعي لقرون، أما بالنسبة للحرب الباردة بين إيران والسعودية فإنها لا تزال فقط في عقدها الخامس، وهناك الكثير من الوقت المتبقي.

انحاز السعوديون والولايات المتحدة خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى صدام حسين. وفي عام 1987، اشتبك الحجاج الشيعة في مكة مع السعوديين أثناء الحج. وبعد ربع قرن تقريبا، في عام 2011، أحبطت الولايات المتحدة مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في أحد مطاعم العاصمة واشنطن.

ومع ذكر هذا الماضي، يبدو أن انزعاج محمد بن سلمان من الاتفاقية النووية الإيرانية أمر متوقع، كما أنه صرح مرة تصريحا لاذعا عن علي خامنئي: “أعتقد أن المرشد الأعلى الإيراني يجعل هتلر يبدو جيدا”.

بطش بالمعارضة

وأشار هوبارد إلى دور ابن سلمان في الإصلاحات الاجتماعية وجهوده التحررية، حيث سمح للنساء في السعودية بقيادة السيارات والتقدم بطلب مستقل للحصول على جوازات سفر، كما ركّز على تكريس قطاع الترفيه، وقلل من حضور السلطات الدينية وتقليص صلاحياتها.

ومع ذلك، لا يتناسى هوبارد التحذير الدائم بأن المعارضة تظل مهددة دائما من بطش الأمير السعودي، وأن الحريات هشة في ظل سلطته المطلقة.

في عام 2018، خلصت وكالة الاستخبارات الأميركية “بثقة عالية” إلى أن الأمير أمر بقتل خاشقجي. ويذكر هوبارد بأن هذه النتيجة لم تعد مفاجئة، بعدما اكتسب الموضوع بعدا آخر، حيث قام الأمير “بتهيئة البيئة” لإقناع العملاء والدبلوماسيين السعوديين “بأن ذبح كاتب سلمي داخل القنصلية كان الرد المناسب على مقالاته الصحفية”. سيبقى مقتل خاشقجي علامة عار في تاريخ الأمير، وقد فقد صيته بعض اللمعان لكنه لم يفقد جاذبيته.

بعد فترة قصيرة جاءت “مبادرة الاستثمار في المستقبل” التي استضافتها السعودية، وهي من بنات أفكار الأمير السعودي، وقبل أن تكتشف جثة خاشقجي، كان جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وستيف منوشين (وزير الخزينة الأميركي)، جايير بولسونارو (رئيس البرازيل سابقا)، وديفيد كاميرون (رئيس الوزراء البريطاني السابق) في الصف الأول لهذه الفعالية، جميعهم كانوا هناك وكذلك كان المصرفيون، بحسب الكاتب.

أما بالنسبة لترامب، يضيف الكاتب، لم يتغير شيء يذكر منذ أن وضع الرئيس يديه فوق “الكرة الزجاجية” في الرياض في أول رحلة خارجية له، حيث لقد ظل صامدا في مدحه ومساندته للأمير.

في يونيو/حزيران 2019، قال الرئيس الأميركي عن النتيجة التي توصلت إليها وكالة المخابرات المركزية: “لا يمكنني التعليق على مجتمع الاستخبارات. أعتقد أنه يُسمح لي بإزالة السرية. لكن الحقيقة هي أنني لا أريد التحدث عن الاستخبارات”. فبطبيعة الحال، لم تكن حقوق الإنسان والصحافة الحرة من أولويات ترامب، بحسب الكاتب.

وخلص هوبارد في حديثه إلى أنه مادام البترو دولار، وصناديق الثروة السيادية والاكتتابات العامة معنا للأبد فهذا ما يهمنا، وما يجعل مسيرة هذا الأمير، موضوع اهتمام مستمر.

وكان قد ذكر هوبارد وديفيد كيركباتريك، الجمعة 6 مارس/ آذار الجاري، أنه “لأسباب غير مفسرة”، قام ولي العهد “باحتجاز واحد من كبار أعضاء العائلة المالكة، وولي العهد السابق وابن عمه محمد بن نايف”.

المصدر – صحيفة الاستقلال

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى