في ذكراها الـتاسعة.. أحداث “دوار اللؤلؤة” جرائم تلاحق حكومة البحرين
في ذكراها الـتاسعة.. أحداث “دوار اللؤلؤة” جرائم تلاحق حكومة البحرين
مع شعورها بالظلم المسلط عليها من سلطات الحكم، لم تجد العديد من الشعوب العربية أمامها سوى الخروج باحتجاجات شعبية لإجبار حكوماتها على التغيير بما يصب في مصلحة الشعب وتوفير حقوقه المشروعة.
كانت البحرين بين الدول العربية التي شهدت تحركات احتجاجية في عام 2011، لكن احتجاجاتها على الرغم من سلميتها جوبهت بالعنف وقمعتها الحكومة.
تلك الأحداث يستعيدها البحرينيون في كل عام؛ لما حققته من رعب في داخل نظام الحكم، الذي فضّل قمع الاحتجاجات وإسكات أصوات الشعب المطالبة بالحقوق على الاستجابة لمطالبهم.
في دوار اللؤلؤة
انطلقت الاحتجاجات البحرينية في 14 فبراير 2011 بزعامة قيادات من الغالبية الشيعية للمطالبة بالإصلاح السياسي، وأقام آلاف المتظاهرين الخيم والمتاريس في دوار اللؤلؤة بالعاصمة المنامة مع انطلاق موجة الاحتجاجات.
وأقام المتظاهرون ما يشبه مخيماً دائماً في الدوار، ومنعوا حركة السير فيه استعداداً لاعتصام طويل الأمد فيما يبدو.
فُض اعتصام دوار اللؤلؤة بالقوة في 16 فبراير، أي بعد يومين من بدئه، وقتل أربعة أشخاص في عملية فض الاعتصام، وأصيب أكثر من مئتي شخص، وتزامن ذلك مع الإعلان عن فرض حالة الطوارئ ثلاثة أشهر، ووصول قوات سعودية وإماراتية إلى هناك.
وبعد فض الاعتصام جرفت السلطات النصب الذي كان موجوداً في الدوار وأزالته بشكل نهائي.
وأقيم في الدوار عام 1981 نصب عبارة عن ستة أعمدة تمثل دول مجلس التعاون الخليجي الست، وتعتليها لؤلؤة ترمز للبحرين، التي ارتبطت بالبحر واستخراج اللؤلؤ وتجارته.
استعادة ذكرى الاحتجاجات
وفي الذكرى السنوية التاسعة للاحتجاجات، التي يطلق عليها البحرينيون تسمية “الثورة الشعبية”، أصدرت “حركة أنصار شباب ثورة 14 فبراير”، بياناً بالمناسبة، استذكرت فيه أحداث دوار اللؤلؤة، مؤكدة أن هذه الاحتجاجات أحدثت صدمة في أوساط الحكم.
وقالت: “لا زال آل خليفة يعيشون آثار الصدمة للإجماع الشعبي على المطالبة بإسقاط نظام حكمهم”.
وأكدت الحركة في بيانها أن آل خليفة “فقدوا شرعية البقاء في الحكم، وشرعية الهيمنة على السلطة بل وشرعية البقاء والوجود في البحرين، بعد أن خرج الشعب إلى الشوارع مطالباً بإسقاط النظام وبرحيل القبيلة الخليفية الغازية والمحتلة من البحرين إلى الزبارة وإلى نجد من حيث أتوا”.
وقال البيان: “لقد قام آل خليفة بالانتقام الممنهج من الشعب كرد فعل على الإجماع الوطني الذي حدث في الثورة ومطالب الشعب بإسقاط نظام حكمهم، بما يؤكد ويثبت كل المطالب الشعبية بإسقاط سلطتهم الديكتاتورية”.
وشددت الحركة بالقول: “لقد باتت قناعة الشعب البحراني بأجمعه، الذين خرجوا في 14 فبراير 2011م، وقدموا المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى، والآلاف من المعتقلين، بأن لا خيار أمام الشعب إلا خيار إسقاط النظام الديكتاتوري”.
ووصف البيان حكومة البحرين بأنها “تجاوزت في إجراءتها الانتقامية كل الحدود، وأطلقت العنان لأزلامها ومرتزقتها وللجيوش الغازية والمحتلة بالتعدي على الشعب وهتك الحرمات بشكل واسع وشامل، وقامت بممارسة أبشع أنواع التعذيب في أقبية السجون لقادة الثورة ولأبناء الشعب الشرفاء المناضلين والمجاهدين الأحرار المطالبين بالحرية والعدالة”.
أحداث “اللؤلؤة” كشفها ضابط بحريني
منتصف يوليو الماضي بثت قناة “الجزيرة” حلقة من برنامج “ما خفي أعظم”، تضمنت شهادات مصوَّرة لشخصيات معلومة كشفت عن أسماء محددة بأجهزة الأمن البحرينية، على علاقة بأحداث “دوار اللؤلؤة” في عام 2011.
إحدى أهم الشهادات في البرنامج كانت للواء الركن ياسر الجلاهمة، قائد القوة التي أوكلت إليها الحكومة البحرينية مهمة فض اعتصام “دوار اللؤلؤة” بالعاصمة المنامة في مارس 2011.
الجلاهمة، الذي غادر بلاده قبل نحو خمس سنوات، قال إنه لم تكن هناك أسلحة في “دوار اللؤلؤة” بالمنامة في أثناء فض الاعتصام، بحسب ما زعمت الجهات الحكومية لكن لاحقاً عُرضت صور لأسلحة بعد تعمُّد جهات أمنية بحرينية وضعها.
وأضاف مفصِّلاً بشهادته: “قوات أمنية بحرينية لا نعرفها وضعت الأسلحة في مستشفى السلمانية، لشيطنة المعارضة، واتهامها بالعمل على قلب نظام الحُكم”، مشيراً إلى وقوع قتلى بعد استخدام الجيش البحريني الدبابات والأسلحة النارية لفض الاعتصام السلمي.
وقال الجلاهمة في شهادته: “كانت هناك تجمعات واحتجاجات في فبراير 2011، وفرَّقتها وزارة الداخلية، وكان هناك قتلى من الطرفين الداخلية والمتظاهرين”، مشيراً إلى أن كتيبة من الأمن الداخلي، وقوامها 700 جندي، هي التي فضَّت اعتصام “دوار اللؤلؤة”.
وأضاف: إن “السلطات البحرينية ضللت القوات الأمنية؛ بإخبارنا بأن المتظاهرين مدججون بالسلاح، وأننا سنواجه قنابل مزروعة وكمائن في الطريق إليهم، كأننا سنواجه قوة عسكرية! لكن الواقع كشف شيئاً آخر”.
وأوضح أن “المتظاهرين أول ما رأونا -وكان معنا دبابات وطائرات مروحية- اتجه بعضهم إلى بيوتهم، وانضم آخرون إلى المحتجين أمام مستشفى السلمانية”، مشيراً إلى أنه “لم يسجَّل وقتها ضحايا من جانب المتظاهرين، وإنما سجَّلنا حالتي دهس لرَجلي شرطة من قِبل المتظاهرين”، مردفاً: “لم نتعرض لأي إطلاق نار، وكانت المواجهة سهلة جداً، لأنهم لم يقاوموا أصلاً”.
وكشف الجلاهمة عن أن “ما عُرض على التلفزيون البحريني من أسلحة عُثر عليها في دوار اللؤلؤة غير صحيح بالمرَّة”، وأنها “وُضعت بعدما طهَّرنا الدوار؛ بهدف تصويرها داخله، ومَن وضعها هم أفراد قالوا إنهم يتبعون لقوات الأمن، وإن لديهم أوامر بذلك”.
إعدام المعارضين
بدأت السلطات البحرينية تنفيذ أحكام الإعدام السياسية من جديد في عام 2017، بعد أن أعدمت ثلاثة معارضين اتُّهموا باغتيال ضابط شرطة إماراتي في أثناء قمعه احتجاجاً شعبياً في 2014.
ومنذ 1996، وهو العام الذي أعدمت فيه السلطات المعارض البحريني عيسى قمبر، في أثناء ما عُرف بـ”انتفاضة التسعينيات” في البحرين، وهي احتجاجات عنيفة اشتعلت ضد حكم والد الملك الحالي، لم تنفذ السلطات أي حكم إعدام بحق أي مواطن بحريني حتى إعلان إعدام ثلاثة أشخاص في عام 2017.
وفي 27 يوليو 2019 عادت لتنفيذ الإعدام بحق المعارضين، متجاهلةً المناشدات الحقوقية المحلية والدولية، الداعية إلى وقف تنفيذ تلك الأحكام وإعادة محاكمة المتهمين بشكل عادل.
وبحسب السلطات البحرينية، فإن اثنين من الأشخاص الثلاثة الذين أُعدموا -وهما أحمد الملالي وعلي العرب- أُدينا مع 56 آخرين بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية، وارتكاب جرائم قتل، وحيازة متفجرات وأسلحة نارية للقيام بأعمال إرهابية”. أما الثالث فهو من جنسية أجنبية اتُّهم بقتل مقيم آخر كان يعمل إمام مسجد.
وتقول مجموعات حقوقية دولية ومحلية إن “الملالي” و”العرب” تعرضا للتعذيب الشديد، لانتزاع الاعترافات منهما، “وحوكما في محاكمات افتقرت إلى أدنى معايير المحاكمة العادلة”.
وأدانت منظمات حقوقية عدة تنفيذ حكم الإعدام، إذ وصفها منتدى البحرين لحقوق الإنسان بـ”المروعة”.
ونددت منظمة العفو الدولية بإعدام الناشطين، وقالت في تغريدة: “مرة أخرى، تضرب البحرين بأبسط حقوق الإنسان عرض الحائط بإنهائها حياة الشابين، إثر محاكمة كان فيها التعذيب دليلَ إدانة. هذه الإعدامات انتكاسة شديدة للحقوق في بلد يتشدق مسؤولوه بالتزامهم معايير الإنصاف والعدالة”.