لجوء السعوديين… تصاعد الظاهرة في السنوات الأخيرة

لجوء السعوديين… تصاعد الظاهرة في السنوات الأخيرة
عملَت الماضي في السعودية كمديرة البرامج والدراسات في قسم الإرشاد للطالبات في وزارة التعليم، وحصلت على الدكتوراه في الإرشاد الطلابي عام 2009، لكن منذ عام 2015 تغيّرت حياتها رأسا على عقب إذ حذّرتها الأجهزة الأمنية من العودة للنشاط الحقوقي، وقالوا لها “هذا آخر تنبيه لكِ”، ما دعاها للخروج من السعودية.
وفي الفترة التي سبقت تولي الملك سلمان الحكم، شاركت هالة في العديد من الفعاليات التي تدعم حقوق المرأة السعودية أبرزها حملة “26 أكتوبر” لرفع حظر قيادة السيارات على المرأة عام 2013، إذ قادت مع نساء أخريات السيارة في شوارع البلاد في تحدٍ للحظر المفروض آنذاك. كما أنها ساهمت في تنظيم حملة النساء السعوديات ضد قانون الولاية.
تتابع: “في 2015 مع صعود الملك سلمان للحكم كتبت مقالين في فورين بوليسي والغارديان لأنني كنت جدا متضايقة بسبب اعتقال ناشطات وإحالتهن إلى محكمة الإرهاب. بالنسبة لي، كانت هذه بوادر لتوجه أكثر قمعا مما سبق. هذان المقالان شكلا الموقف الرسمي للسلطات مني، لكن لم أكن أحس أن الأمر بهذه الخطورة، إلا بعد مقتل خاشقجي، أُجبرت على البقاء في المنفى”.
ما ذهبت إليه الدوسري، تؤكده بيانات الجريدة المالطية الرسمية والتي ذكرت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 أن 62 سعودياً ينتمون لعائلتي المُهيدب والعقيل أصبحوا مواطنين مالطيين، مع أنَّ العديد منهم لم يطأوا الجزيرة في حياتهم.
وتصف هالة ما يحدث في السعودية بـ”المكارثية”، قائلة “من لا ينخرط في تغذية الولاء الوطني لمحمد بن سلمان، أو يأخذ موقفا محايدا مثل سلمان العودة وغيره يتهمونه بالخيانة. فأنت يجب أن تؤيد حصار قطر وحرب اليمن وقمع الناشطين، وإلا يضعونك في اللوائح السوداء لسعود القحطاني، والتي تضم أزيد من 3000 شخص حسب المعطيات الرسمية”.
وتؤكد هالة، التي تشتغل اليوم كباحثة مقيمة في مركز حقوق الإنسان والعدالة الدولية في كلية الحقوق في جامعة نيويورك، أن أعداد السعوديين القابعين في سجون بن سلمان “أكثر بكثير مما نعرفه، لأن العائلات تخاف من اللجوء إلى الإعلام لكشف اختطاف أبنائها. إنهم يحذرون العائلات من أن حديثهم للإعلام سيؤدي إلى تعطيل إطلاق سراحه أبنائهم وتعقيد قضيتهم. ومعظم الناس يختارون عدم المواجهة مع السلطات”.
وتابع “بعد الربيع العربي ظننا أن بلادنا أصبحت أكثر انفتاحا أو ستكون كذلك، وفي العام 2013 قدمت إلى لندن لإكمال الدراسات العليا في مجال السياسة وحقوق الإنسان، وحينها كشفت عن اسمي المستعار الذي كنت أكتب به في المنتديات منذ العام 2000، وتم التحقيق مع عدد من الأصدقاء حول معرفتهم بي، ولاحقا اعتقلوا جميعا وحكم عليهم بأحكام قاسية مما دعاني أثناء فترة محاكماتهم لطلب اللجوء”.
تشبه قصة يحيى عسيري، الذي يعمل حاليا رئيسا لمنظمة “القسط” لحقوق الإنسان، قصة هالة الدوسري كثيرا، فكلاهما اختار المنفى بعد صعود بن سلمان إلى الحكم وبداية التحقيقات مع أصدقائهم ومعارفهم.
يقول عسيري “النسبة الأكبر من طالبي اللجوء السعوديين يتوجهون للبلدان التي ينوون اللجوء إليها مباشرة ولا يطلبون عن طريق الأمم المتحدة”. ويضيف أن “عددا من الدول قد تنشر الأرقام، ولكن ما نلاحظه نحن في منظمة القسط أن من يطلبون منا الدعم في طلباتهم للجوء تزداد يوما بعد يوم وبشكل كبير جدا”.
وأشار إلى أن “مقتل جمال خاشقجي والانقلاب على الربيع العربي وحملات القمع الرهيبة لكل النشطاء دفعت بالكثيرين للهجرة، ثم استمرت الأمور تنحدر كل يوم، وكل حادثة جديدة تدفع بالمزيد من اللاجئين للهرب”.
وتتفق هالة الدوسري مع عسيري في أن موجة اللجوء ستستمر بقوة خلال السنوات المقبلة، إذ تقول إن “مقتل خاشقجي حادثة أيقظت الكثير من الناس على خطورة النظام الحالي”. وتابعت: “خاشقجي كان يحضر مناسبات تقام بالسفارة السعودية بواشنطن وله علاقات طيبة مع مسؤولين في الدولة، وكان يتعامل مع النظام الجديد في السعودية بنفس توقعاته من النظام الأسبق، أي المطالبة بإصلاحات تحت السقف المعتاد، وكان يعتقد أن هذا سيحميه نوعا ما من أي سوء فهم أو ملاحقة. لكن القتل جعل الناس يعرفون أن ما يحدث الآن في السعودية مختلف تماما عما حدث فيما سبق وأن النظام لا يتورع عن القيام بأي شيء”.
إلى حدود الساعة، لا تأخذ السعودية بجدية كبيرة إمكانية انبثاق قوة سياسية من المنفى. لكن مع ارتفاع أعداد اللاجئين، قد يتحولوا إلى جبهة حقيقية خاصة إذا تحالفوا مع بعض الأمراء المعروفين في المنفى، بحسب مضاوي الرشيد.
ويتفق الناشط الحقوقي البريطاني، جوشوا كوبر مع غوغل قائلا، لـ”العربي الجديد”، “الأمور في السعودية اتخذت منحى خطيرا منذ صعود بن سلمان، فقد كثف النظام من حملات الاعتقالات وأضحت الانتهاكات الحقوقية المختلفة والتعذيب شيئا عاديا في المملكة، ما دفع الآلاف إلى الهروب”.
ويؤكد كوبر أن “جريمة قتل جمال خاشقجي أظهرت درجة الصفر من التسامح لدى النظام الجديد. لم يكن جمال معارضًا صريحًا للعائلة المالكة السعودية ولم يطالب بتغيير النظام في البلاد. لكنه انتقد إلقاء القبض على المدافعين عن حقوق الإنسان وخطط الإصلاح لولي العهد، وكان ذلك كافيا لإنهاء حياته بتلك الطريقة المروّعة. هذا يوضح لكَ كيف تغيرت الخطوط الحمراء في ظل القيادة الحالية، وأصبحت مساحة المعارضة ضيقة بشكل شديد”.
وتأسّف من أن “القيادة السعودية تدفع ألمع شبابها وكفاءاتها إلى الشتات عوض أن تستفيد من مواهبها وخبراتها والتزامها بالديمقراطية. يجب أن يكون هؤلاء رصيدا للمملكة العربية السعودية، وليس تهديدا لها”.